إذا ضربت فأوجع

TT

الغاضبون من الاصطفاف الدولي لمعاقبة نظام بشار الأسد بضربة عسكرية ربما لم يشاهدوا ضحايا القصف بالسلاح الكيماوي على أهل الغوطة، والجثث الشاحبة النحيلة المتراصة للأطفال والمراهقين، أو أنهم لا يظنون أن سلاح دمار شامل في يد حاكم مستبد أمر يستدعي الحذر والتحوط. من قبل وبعد الضرب الكيماوي، استطاع بشار الأسد حصد مشاعر من الكره والبغض من كل أرجاء العالم ومن الذين يتحرجون من التدخل المباشر لردعه لم يسبقه إليها أشرس ديكتاتور؛ من هتلر وموسوليني وحتى صدام حسين.

أما وقد ازداد هذا النظام جنونا ورعونة، ووقع في المحذور باستخدامه السلاح الكيماوي، فعليه أن يدفع الثمن.

صور ضحايا الكيماوي أضاءت الإشارة الحمراء التي توعد بها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وعلى هذا الرئيس الذي دق صدره وهدد بالردع إن تجاوز الأسد خطه الأحمر أن يثبت للعالم مصداقية الدولة العظمى؛ ومكمن نظام حماية حقوق الإنسان. عليه أن لا يكون أقل من رجل يحترم وعوده، لأنه إن كان هناك من رجل وعد وأوفى في هذه المحنة السورية فهو خصمه ونده التاريخي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي صرحت بلاده قبل عام أن سوريا خط أحمر، وقد قال وفعل؛ لم يسمح لأحد أن يمسك يد بشار الأسد عن ذبح السوريين، شحن بوارجه تحت أعين الأقمار الصناعية الأميركية والأوروبية حتى ميناء طرطوس، مكن للأسد سلاحا وعتادا أبقاه واقفا على رجليه حتى اليوم، والأهم أنه وفر له غطاء سياسيا بحمايته من أي قرار دولي يتخذ ضده على الرغم من أن كل من يجلس حول طاولة مجلس الأمن يدركون حقيقتين؛ أن بوتين يحابي مجرما استخدمه للعودة لساحة التنافس كقوة عظمى معلنا ولادة ستالين جديد، وأن كل ما يتفوه به مندوب الأسد، بشار الجعفري هو محض كذب وتلفيق، وأن الجعفري لا يعدو كونه حادي العير.

أمام باراك أوباما فرصة عظيمة في أن يتصيد البؤر الوليدة لتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى المتطرفة المسلحة التي أمنت لنفسها مواقع على الأرض السورية، وجرى رصدها من أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية والعربية، صحيح أن هذه المستعمرات تفككت مؤخرا خوفا من الضربة العسكرية التي ستستهدفها لا محالة، ولكنها عادت للالتئام نسبيا بعد عودة الثلاثية واشنطن وباريس ولندن خطوة إلى الوراء بعمل مشورات مع المجالس واللجان التشريعية.

نظام بشار الأسد منهك، لن يستطيع كما في السابق أن يعطي وعودا بحماية مخازن السلاح الكيماوي أن تقع في أيدي المتطرفين، هذا إن لم يسلمهم بيده مفاتيح هذه المخازن، أي أن إسرائيل ليست في خطر كونها (العدو التاريخي)، بل لأنها الابنة المدللة المستهدفة للانتقام من واشنطن التي تدخلت عسكريا ولم تحسم، ولن يحميها بناء الجدران والحواجز على حدود هضبة الجولان من ضربات صاروخية عشوائية.

وبغض النظر عن المداولات الهولويودية في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي التي شاهدناها قبل أيام، فالضربة المنتظرة يجب أن تكون مباغتة، موجعة، ومسقطة للنظام فورا أو بعد أمد قصير، وطاردة للجماعات الإرهابية ومشتتة لتكتلاتهم، لأن أقل من ذلك ستكون عواقبه غير متوقعة، وستكون ضربة لا تقتل بل تقوي، بسيناريو قريب مما حصل من بيل كلينتون في عملية ثعلب الصحراء ضد صدام حسين عام 1998 وقبله ضربتان على فترات متباعدة، كانت ضربات محدودة عقابية، أبقت نظام صدام متماسكا حتى جرى اقتلاعه من باطن الأرض بعمل عسكري حاسم.

الضربة المحدودة ستجعل من أميركا هدفا للمتطرفين حول العالم، كميليشيا حزب الله والقاعدة والمتعاطفين معهم، وفي المقابل لن تحصد واشنطن إلا امتعاضا من الشعب السوري وكل الشعوب التي أبكتها مشاهد المجازر واستخراج جثث الأطفال من هدد المباني التي وقعت على رؤوسهم وهم نيام. إنها مرحلة الفصل، إما لقوى السلم أو للأشرار.

[email protected]