تخففت ممرضات فرنسيات من ثيابهن، قبل أيام، ونشرن صورهن شبه عاريات، احتجاجا على إغلاق مستشفى الولادة الذي يعملن فيه. كان واحدا من أشهر المراكز المتخصصة في استقبال الحوامل في باريس. وفي صالاته يرى النور، سنويا، 1600 طفل. لكن الإدارة مضطرة لتحويله إلى مستشفى عام، إنقاذا له من الإفلاس. إن العلاج مجاني في البلد، والمرأة التي تدخل لتلد تخرج من دون أن تدفع أجورا ولا بخاشيش، بل تحصل على حليب البودرة و«الحفاضات» مجانا.
لا تخاف الممرضات فقدان وظائفهن؛ لأن المهنة مطلوبة بإلحاح. لكنهن يدافعن عن قضية. لنقل إنه النضال بالعري من نساء يفتقرن إلى النفوذ والأسلحة والمنابر. إنهن لا يملكن غير أجسادهن الذي يمكن له أن يتحول إلى لافتة تجتذب الأنظار. فرغم كل الثورات الاجتماعية ومظاهر التحرر في أوروبا، فإن الجسد النسائي ما زال قنبلة مكنونة، لا سيما أن المتعريات، في الموضوع الذي نحن بصدده، لسن راقصات في الملاهي الليلية بل زوجات وأمهات عاملات يوصفن بملائكة الرحمة.
كنا قد رأينا، من قبل، فنانة سورية تخلع ثيابها أمام المارة، في واشنطن، احتجاجا على الحرب التي قادها بوش على العراق. ثم شاهدنا، في السنوات الماضية، شابات أوكرانيات ينزلن إلى الشوارع ويخلعن ثيابهن للاحتجاج على عنف سياسي أو على نفاق اجتماعي لا يروق لهن. ومنهن من دخلت السجن في سبيل «مبادئها». ثم امتدت الحركة المسماة «فيمين» إلى بقاع أخرى من العالم ووصلت إلى تونس. وأخيرا أغلقت زعيماتها مقرهن في أوكرانيا وأعلن الانتقال إلى باريس، رغم تبرؤ الحركات النسوية منهن. إنهن يستخدمن المرأة سلعة للإثارة والفرجة، مثل شركات الإعلانات ومحرضات الاستهلاك.
تنفي القابلات الفرنسيات أي علاقة لهن بحركة «فيمين». وتقول الناطقة باسمهن إن المستشفى الذي يدافعن عنه كان رائدا في توعية الفتيات بمخاطر الحمل غير المتوقع، وفي توفير وسائل تنظيم الأسرة، وفي تجارب توليد النساء من دون ألم، وفي احترام حقهن في اختيار الشكل الذي يناسبهن للوضع. وإذا نجح نضال الممرضات واستمر مستشفاهن في العمل فإنهن سيحتفلن، في العام المقبل، بمرور 50 عاما على تأسيسه. لذلك لم يترددن في التعري للفت أنظار الرأي العام إلى قضيتهن.
إنه أسلوب أوروبي عجيب للنضال، قد نستهجنه أو نسخر منه أو نتأسف عليه أو نطالعه ونمر به مرور الكرام. كيف لهذا الجسد الآدمي الذي يُعطر بالمسك والياسمين، أو الذي يُضرب ويُعذب ويُعطب.. كيف له أن يتحول إلى منشور علني لقضايا عابرة؟