من الذي استخدم الأسلحة الكيماوية في سوريا؟

TT

كان الكشف عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا حاليا، أهم خبر شهدته الساحة العالمية، لأن ذلك ربما يكون إيذانا ببدء حرب جديدة في المنطقة. وقد قيل إن بدء الحرب أمر سهل، لكن السيطرة عليها صعب، وهذا القول غالبا ما يستخدم في المناقشات حول الحرب.

يذكرنا هذا بقصة فرانسيس بيكون وأسنان الحصان.. في عام 1432، نشبت مشاجرة خطيرة بين إخوة حول عدد الأسنان في فم الحصان. احتدم الخلاف ثلاثة عشر يوما من دون توقف، وأحضرت جميع الكتب والحوليات القديمة، كانت النقاشات رائعة وثرية لم يسمع مثلها من قبل من في هذه المنطقة. وفي بداية اليوم الرابع عشر، سأل الراهب الشاب الذي يتمتع بصلة طيبة برؤسائه المتعلمين الإذن له بإضافة كلمة واحدة، وحالا، ولفرط دهشة المتنازعين، لتشكيك الشاب في حكمتهم العميقة، ناشدهم النظر في فم الحصان المفتوح ليجدوا الإجابة عن التساؤلات الخاصة بهم. تعرضت كرامتهم لضرر كبير. تجاوزوا غضبهم، وانضموا ليبرحوه ضربا. وقالوا، لقد أغوى الشيطان هذا المبتدئ الجريء ليعلن عن طرق غير مقدسة ولم يسمع عنها للعثور على الحقيقة، خلافا لجميع تعاليم الآباء. بعد عدة أيام من الفتنة الخطرة، ساد الهدوء وأعلنوا أن المشكلة لغز أبدي نتيجة لندرة خطيرة في الأدلة التاريخية واللاهوتية، لذلك أمروا بالتخلي عنه.

ما من شك في أن الأسلحة الكيماوية قد استخدمت في سوريا، كانت هجمات الغوطة سلسلة من هجمات الحرب الكيماوية التي وقعت الأربعاء 21 أغسطس (آب) 2013، في منطقة الغوطة في ريف محافظة دمشق. ولكننا بحاجة إلى تمييز الدعاية عن الواقع. فقد نشرت العديد من الصور والأفلام، وشاهدنا الأطفال الذين قتلوا بالأسلحة الكيماوية ووجوههم مشوهة، وقيل إن هذا التشوه سببه غاز «السارين». لكن المسؤولية الآن ملقاة على عاتق مبعوثي وخبراء الأمم المتحدة لنشر نتائج تحقيقهم في سوريا. ويبدو أن كلا الجانبين في انتظار التقرير الذي سينشر.

ومع وصول عينات من مواقع القصف الكيماوي.. في سوريا إلى المختبرات للتحليل، من المتوقع أن تشير التقييمات إلى ما إذا كانت الأسلحة الكيماوية قد استخدمت ونوع الغاز في حال تأكد استخدام الأسلحة الكيماوية.

ينبغي أن يتضمن التقرير أدلة علمية قوية للمساعدة في تحديد ما إذا كانوا متورطين باستخدام الأسلحة الكيماوية في الهجوم على حزام الغوطة الزراعي حول العاصمة السورية دمشق. ويمكن أن تشير أيضا إلى نوع السلاح المستخدم في حمل السلاح الكيماوي. ربما تكون هناك تفاصيل لتركيزات الغاز المستخدم وما إذا كانت هذه الأسلحة مرتجلة أو مصممة للاستخدام في سياق عسكري.

هذا هو الجانب التقني للكارثة. لكن الأحداث ينبغي النظر إليها من زوايا أخرى أيضا، وأنا أود أن أركز على عدة أبعاد هنا:

1 - رغم مقتل مسلمين وعرب بالسلاح الكيماوي، لكن لم تدن جميع الدول الإسلامية هذا الهجوم الوحشي، وجرى تجاهله بشكل واسع، وخاصة من قبل القادة الدينيين. ولسوء الحظ، شهد العالم الإسلامي مشكلات مختلفة وكوارث وحكومات غير مستقرة وأشخاصا محبطين، وانشغلت كل دولة بقضاياها الإقليمية أو المحلية. انظر إلى مصر والعراق وأفغانستان ولبنان وليبيا واليمن وغيرها، كل حكومة تحاول تبرير الموقف الذي اتخذته. ويصف القرآن الكريم هذه الحالة بقوله تعالى: «كل حزب بما لديهم فرحون». وبات واضحا أن المشكلات ستظل من دون حل ما دام هذا الموقف قائما.

2 - يبدو أننا على حافة حرب جديدة في المنطقة. وبعبارة أخرى، منذ سبتمبر (أيلول) 1980 (بداية الحرب العراقية - الإيرانية) كانت الحرب والدمار الحدث الرئيس في منطقتنا. نحن ندمر بيوتنا بأيدينا.. نقتل شعبنا ونقوم بهذا بأنفسنا، يصدق فينا قوله تعالى: «يخربون بيوتهم بأيديهم». فيصف محمد كرد علي مؤلف غوطة دمشق، تاريخ الغوطة ويقتبس ما قاله الخوارزمي حول الغوطة قائلا: «كأن الجنة وقد زخرفت وصورت على وجه الأرض».

من الذي حول الجنة إلى جحيم؟ أعتقد أن الحرب الجديدة لن تقتصر على سوريا، وستمتد إلى لبنان وفلسطين والأردن وتركيا والعراق وروسيا. كانت نتائج احتلال أفغانستان والعراق واضحة، لكن من يستطيع توقع عواقب الحرب العميقة والواسعة في المنطقة؟ فهل سنشهد سلسلة من الحروب في منطقتنا. ستكون النتيجة شرق أوسط جديدا، لكنه سيكون من الصعب الحكم على وجه وشكل هذا الشرق الأوسط الجديد.

أعتقد أنها مسؤولية الجميع، من سياسيين وقادة ومفكرين وصحافيين إلى الزعماء الدينيين، للوقوف في وجه أي حرب جديدة في المنطقة. وسوف تؤدي إلى فتح صندوق باندورا جديدا، وسوف تكون خسارة كبيرة للجميع وسيشارك فيها جميع الأفراد.

أعتقد أن تغيير الحكومة في سوريا هو طريقة معقولة ومقبولة. يمكن للمملكة العربية السعودية وإيران أن تلعبا دورا فاعلا في ذلك. وقد ألقى هاشمي رفسنجاني أخيرا خطابا شمال إيران، اتخذ فيه موقفا جديدا تجاه الحكومة السورية. ولم يتضح بعد ما إذا كان الموقف الرسمي للحكومة متوافقا مع رأي رفسنجاني. ويتشابه الوضع نسبيا في روسيا، حيث يتبنى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وجهة نظر مختلفة بشأن كيفية التعامل مع الوضع في سوريا. وأعتقد أنه على بوتين وخامنئي أن يعيدا النظر في تقييمهما للأسد وإدارته. يجب عليهما اتخاذ قرار جديد.