من يعد العصي أو يأكلها بسوريا؟

TT

منذ بداية التحرك الغربي، المدعوم خليجيا، لمعاقبة بشار الأسد، توقعت أن تتسع هوة الخلاف في الرأي بين الرأي المصري، والرأي الخليجي والسوري الثائر.

في مصر إصرار من كل الأطياف، تقريبا، على مقاربة معينة للأزمة السورية، قوامها وجود مؤامرة أميركية - صهيونية، وربما إخوانية، لضرب «الجيش العربي السوري»، وتمكين «الإخوان»، وتفتيت سوريا. واضح هنا الانطلاق من ملابسات مصرية في رؤية الحدث السوري، ومحاولة إجراء مطابقة كربونية لعناصر الحدث السوري. وهذا ما لا يصح، وهو لم يصح في بداية ما سمي بالربيع العربي حيت تراكض كثير، بخفة، للقول إن تونس كمصر كليبيا كاليمن كالبحرين كسوريا... إلخ.

كما لم تصح هذه المقاربة الفقيرة في رؤية بلدان «الربيع العربي» يثبت أيضا خطلها وخطرها فيما يخص مطابقة الحدث السوري بالحدث المصري.

هل المراد مجادلة الرأي و«المزاج» المصري لإقناعه بأن ما يجري في سوريا غير ما يراه، وأنهم بمحاولة بناء سدود نفسية، ضد التحرك الدولي والعربي لوقف جرائم بشار وإيران وحزب الله، إنما يقفون ضد مشاعر الضحية السورية نفسها، وفي هذا استهانة بألم الضحية؟! وقبل ذلك يكررون نفس الخطاب والدفوع تجاه التدخل الدولي بقيادة أميركا لتحرير الكويت من احتلال صدام. ليس المراد هنا الغوص في تفاصيل سجالية مع هذا المزاج، الذي انتظم شبان صغار من حركة تمرد، إلى شيوخ من المؤسسة السياسية في مصر مثل مصطفى الفقي وغيره، ناهيك عن كتاب اليسار الأحمر والتيار القومي والناصري. لكن ثمة سؤال يلح في طرح نفسه، أليست استهانة الإعلام الغربي، ومعه قناة «الجزيرة»، وقنوات «الإخوان المسلمين»، وزعيم تركيا رجب طيب أردوغان، بجرائم «الإخوان» والجماعات التابعة لهم ضد المصريين، وضد رجال الشرطة ورجال الجيش، كان - وما زال - أمرا يدعو للأسف بل للغضب؟!

بلى، هو كذلك، ونحن كلنا متفقون على أن هذا الإصرار على الرؤية بعين واحدة للمشهد المصري، كان سبب المقاربة الخاطئة لما يجري في ربوع مصر.

نفس الأمر يقال الآن عن المشهد السوري، فالإصرار على أن الأمور بدأت فقط بالهجمات الكيميائية على جوبر والغوطتين في ريف دمشق، وإلغاء معاناة أكثر من سنتين، وتهشم كل الحلول السياسية الدولية منها والعربية، هو أمر يبعث على الأسف والغضب. الغريب، كما قال نبيل العربي، أمين الجامعة العربية، في مقابلة مع صحيفة «الأهرام» أخيرا، هو أن «جميع وسائل الإعلام منذ خمسة أشهر تطالب المجتمع الدولي بالتدخل لوقف المذابح بسوريا، ولكن بمجرد اتخاذ الأمم المتحدة قرارا بأنها ستقوم بذلك الإجراء، انقلبت الصورة، وأصبحت العملية كلها كأن الولايات المتحدة الأميركية ضد الشعب السوري»! بالمناسبة، نبيل العربي ورغم إصراره على وجوب الحل السياسي في سوريا، ورغم إعلانه عدم شرعية الضربة الأميركية المزمعة، فإنه يتعرض لهجوم «عروبي» ونضالي شديد في مصر هذه الأيام.

في الختام: الذي يعد العصي ليس كمن يأكلها...