أول ما «تتزنق»... اقلع!

TT

لم يبق لديه من الاحترام شيء حتى يمكن أن يقال إن نظام الأسد فقد احترامه لنفسه، ولم يعد لديه من المصداقية شيء حتى يمكن أن يقال إنه بات في وضع يهدد بفقدانها.

واقع الأمر أن هذا النظام فقد كل معاني الاحترام والجدارة والمصداقية. وما الفصل الأخير الذي أتى به على لسان وزير خارجيته، وليد المعلم، الذي وافق على تسليم ترسانة الأسلحة الكيماوية كاملة لـ«المجتمع الدولي» والموافقة على تدميرها، إلا مشهد جديد من «الاستربتيز» السياسي الرخيص الذي يمارسه هذا النظام المجرم بشكل رخيص بحق شعبه وموارد بلاده، تنازل عن كل شيء لأجل البقاء؛ تنازل عن الجولان وتنازل عن لبنان وتنازل عن العروبة وتنازل عن وحدة بلاده، سيعقد صفقات مع كافة أنواع الشياطين لأجل البقاء، غير آبه ولا مكترث ولا مهتم بما يقال عنه ولا يتردد.

استراتيجية «الحفاظ» على الحكم والسلطة في مفهوم نظام الأسد كانت - ولا تزال - مستوحاة من ثلاث تجارب محورية؛ الأولى كانت من وحي وإلهام أوروبا الشرقية، وتحديدا رومانيا وحاكمها الباطش تشاوتشيسكو وهو الرجل الذي كان مقربا جدا من حافظ الأسد، وكان متخصصا في قتل ونحر المدنيين لإرهابهم، مات أكثر من خمسين ألف روماني لإسقاط حكم تشاوتشيسكو حتى لا ننسى.

ثم كانت التجربة الثانية وهي الشيشان، التي تعتمد على حرق الأخضر واليابس بشكل وحشي وهمجي، وتمويل كامل للسلاح والذخيرة بشكل نقدي وبأفضل الأسعار من مصانع روسيا لتدمير سوريا بالكامل باستخدام الأموال المنهوبة منذ أوائل نظام حافظ الأسد إلى اليوم، وتكوين الواقع الحالي «المخيف» وتصويره بشكل مفزع بأنها حرب مفتوحة وعلنية ضد التطرف الإسلامي.

ثالث التجارب هي التجربة البوسنية والمجازر الجماعية الكبرى باسم الدين، وهي المرحلة التي ستدخلها الثورة السورية على أيدي نظام الأسد؛ سوف يقوم نظام الأسد بذبح المسيحيين بشكل جماعي ووحشي غير مسبوق وسيلوم الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهي نفسها الجماعات التابعة له ولأجهزة مخابراته التي كانت توظف بشكل فعال ومؤثر لأجل مهام قذرة ووحشية في كل من العراق وفي لبنان بأسماء مختلفة، ولكنها كلها كانت تتبع فكر «القاعدة» و«السلفية الجهادية».

وبدأت معالم هذه المشاهد تتكون في مدينة معلولا ذات الأهمية المسيحية التاريخية، فبها واحد من أهم الأديرة، وأهلها يتحدثون الآرامية حتى اليوم وهي لغة السيد المسيح عليه السلام، ويحج إليها عشرات الآلاف من المسيحيين سنويا، وبدأت بالفعل معالم التعاطف والتفاعل مع هذه المشاهد من قبل أوروبا الغربية وبابا الفاتيكان، حتى إن أحد ألد أعداء الأسد، رئيس حزب «الكتائب اللبنانية»، الرئيس الأسبق أمين الجميل، قال إن معلولا «خط أحمر»، ولكن كل ذلك ما هو إلا كشف للزيف والنفاق الحاصل باسم الدين، فالفاتيكان لم يحرك ساكنا بينما كان الأسد يبيد كل مدينة وكل قرية في سوريا، بل إن مندوبه في لبنان زعيم الطائفة المارونية، البطريك بشارة الراعي، كان داعما للأسد ومؤيدا له واعتبره رمزا للاستقرار والعلمانية.

أي استخفاف بالعقل هذا؟! علمانية تؤيد من إيران ومرشدها وملاليها، ومعها تحارب ميليشيا إرهابية باسم الدين هي حزب الله، وتسمي كل ذلك علمانية؟! بل هي طائفية قذرة، لم يكن متصورا أن يتم «الاستغناء» عن نظام أدى كل الأدوار المطلوبة منه بإتقان لصالح «الغير» بسهولة، وكما هو واضح أنه مستعد لأن يقدم التنازلات تلو الأخرى حتى تعرى تماما ولم تعد هناك أي ورقة توت تستر عليه. والأهم أن هذه الثورة السورية بدأت يتيمة بأيدي أبنائها الشرفاء العزل، وستنتهي بنصرهم وحدهم دون الاعتماد على أحد لا بخطوط حمراء ولا غيره.