الحلم

TT

صراخ الفرح ومظاهر الابتهاج في صفوف اليابانيين هي التي أيقظت الأتراك من الحلم الذي يعيشونه منذ عامين.

خروج مدريد من المنافسة الثلاثية بعد هزيمة موجعة أمام الأتراك منحت ملايين الشعب التركي فرصة الأمل ورعشة الانتصار التي لم يدم مفعولها أكثر من ساعة واحدة. 61 صوتا لليابان مقابل 36 للأتراك ورفع لوحة طوكيو 2020 قطعت الطريق على كل هذا الحماس والتفاؤل لدى الأتراك في تنظيم أولمبياد المرحلة المقبلة، وحولته إلى خيبة أمل أفرغت خلال دقائق ميدان السلطان أحمد من الآلاف الذين كانوا يمنون النفس بليلة ابتهاج واحتفالات تستمر حتى الصباح.

حجم الاستعدادات والوعود المقدمة لإنجاز عشرات المشاريع العملاقة خلال سبع سنوات، يتقدمها إنجاز بناء أكبر مطار في العالم وتخصيص موازنة تصل إلى 20 مليار دولار، لم تقنع أعضاء الجمعية العمومية في منظمة الأولمبياد لمنح إسطنبول فرصة تنظيم هذه الألعاب في عام 2020.

الأتراك لم يتوقفوا مطولا عند استطلاعات الرأي والمراهنات العالمية على تقدم واضح لطوكيو على بقية المنافسين.

تركيا راهنت على لعب ورقة الموقع الجغرافي والدور الرابط بين الشرق والغرب، وحقها في تعزيز لغة الحوار بين الحضارات والشعوب عبر جسرين معلقين يربطان آسيا وأوروبا فوق إسطنبول أجمل البقع الجغرافية في العالم. وذكرت بضرورة إعطاء هذه المدينة صاحبة التاريخ العريق الممتد لأكثر من ثمانية آلاف عام حظها في ترجمة هذه الخصوصية. وقناعة أن أحدا لن يعطي طوكيو فرصة ثانية لتنظيم الألعاب، وهي التي خرجت من فاجعة كبيرة قبل عامين، فهذا يتعارض مع ثقافة الأولمبياد وتعامله والروح التي انطلق منها.

الأولمبياد.. ولم لا في دولة إسلامية هذه المرة توفر لعدائي الماراثون خلال دقائق فقط، الانتقال فوق سطح مياه البوسفور بين آسيا وأوروبا؟ «التايمز» هي التي ردت على «وول ستريت جورنال» و«الإيكونوميست» في موضوع صعوبة نجاح تركيا في إنجاز تنظيم مثل هذا العمل الكبير لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية، لكن الذين توحدت مواقفهم في قمة دول العشرين انتقلوا إلى العاصمة الأرجنتينية ليختلفوا هناك.

حديث رجب طيب أردوغان الذي غادر سانت بطرسبيرغ على جناح السرعة إلى بيونس آيرس، التي وصل إليها بعد 17 ساعة من الطيران، عن ضرورة الوقوف إلى جانب منطقة متعطشة لفرصة من هذا النوع. وطرح مقولة إن اختيار تركيا الإسلامية لتنظم الألعاب بعد سبع سنوات، سيكون ردا إيجابيا على سياسة اليد الممدودة باتجاه التعايش في بحيرة من المحبة لم يقنع مندوبي الدول على ما يبدو.

أردوغان حدثنا عن الأمل والتفاؤل قبل إعلان النتائج بساعات، والمنطق والقلب يقول إن إسطنبول هي التي كانت ستنتقم للأوروبيين من اليابان التي حرمتهم فرصة إيصال مدريد إلى بر الأمان، لكن الواقع القائم على الأرض في حسابات الربح والخسارة الأوروبية يقول إن أنقرة تلقت ضربة موجعة من حلف واتحاد راهنت على الالتحاق به منذ عقود، فهل ستنزل الأشرعة أمام أول رياح تهب وتبعدها عن الذين طعنوها في العمق؟

كثير هو عدد الأتراك الذين يرون أن من تسبب بهذه النتيجة، هو أصوات الأوروبيين التي منحت لمدريد أولا، لكنهم جيروا معظم أصواتهم إلى اليابانيين في المنافسة النهائية لقطع الطريق على وصول تركيا المسلمة والشرق أوسطية.

البعض يصر على أن أسباب الخسارة لا علاقة لها بالرياضة وضعف الاستعدادات أو وسائل الإقناع المقدمة. تركيا تعلمت من تجاربها السابقة في تحديد أسباب الفشل في السنوات الماضية، وهي استفادت أيضا من تجارب كبيرة في تنظيم أكثر من بطولة إقليمية ودولية، لكن البعض يصر على أن الهدف كان حرمان أردوغان وحزبه الإسلامي من فرصة البقاء في السلطة لحقبة جديدة، بعد انتصاره في انتزاع ورقة سياسية قيمة من هذا النوع.

استطلاعات الرأي التركية كانت تقول إن أكثر من 80 في المائة من سكان إسطنبول ينتظرون مثل هذه الفرصة التاريخية، لكن أقلاما تركية معارضة تقول إنها فرحت للنتيجة، لأن الحكومة التركية لم تقدم الصورة الاجتماعية السياسية الثقافية الحقيقية عن المدينة في حملاتها الدعائية. أصوات أخرى تصر على أن أحداث «تقسيم» الأخيرة ومواجهات «غزي بارك» بين الشرطة والمحتجين في الميادين، هي في مقدمة الأسباب التي قطعت الطريق على إسطنبول في بيونس آيرس.

تلاشى الحلم وخيم الحزن للمرة الخامسة، بعدما وصلت اللقمة إلى الفم كما يقول المثل التركي.

الحماس كان في ذروته بعدما تقدمت تركيا على إسبانيا بفارق ضئيل، لكن الحشود تفرقت بلمح البصر مصدومة أمام ما أعلنته الشاشات العملاقة التي أعدت لتتويج تركيا هذه المرة.

كلمات مشجعة أن اللجنة المنظمة هي التي خسرت فرصة أن ترى دولة عبور بين القارات والحضارات والشعوب توحدهم رياضيا. ومقولة للقائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت حول أنه لو كان العالم كله دولة واحدة، لكان اختار إسطنبول لتكون عاصمته، لكننا لا نعرف ما إذا كان سينجح كلام من هذا النوع في امتصاص غضب الأتراك ونقمتهم بعد هذه الساعة. الشاب التركي الوسيم حلم يوما أن يتزوج بفتاة عشقها على مقاعد الدراسة الجامعية، لكن والدتها أيقظته من الحلم على حقيقة الفوارق العرقية والدينية والثقافية.. هذا ما فعلوه أيضا معنا مساء السبت الماضي في العاصمة الأرجنتينية.