مع قيس وليلى

TT

السماء رصعتها النجوم اللامعة، والقمر بدر، أجلس خارج خيمة مضيفي أبي ليلى نحتسي شراب البلح الساقع. في ظلام الليل لاح شبح من بعيد، مد أبو ليلى يده بخفة وأمسك بمقبض سيفه، صاح الشبح مناديا: ليلى...

شعرت بالدهشة، كيف ينادي أحد الناس في ظلام الصحراء على آنسة في بيئة تعتبر نطق اسم المرأة عورة. بعد أن اقترب منا الشبح قليلا تعرف مضيفي عليه فصاح بغضب خفيف: أقيسا أرى..؟ ماذا وقوفك والفتيان قد ساروا..؟

رد قيس بصوت خافت: ما كنتش معاهم يا عمي.. كنت في الدار، والكهربا اتقطعت.. فقلت آجي آخد شوية نار.

قال أبو ليلى: تقوم تيجي تزعق في الربع بالليل وتقول ليلى..؟ التقاليد تحتم أنك تنادي يا عمي.. أو تقول يا أهل البيت... أو تقول: «?..Any body home».

رد عليه بتهذيب: أنا آسف يا عمي..

صاح صديقي مناديا: يا ليلى.. إنتِ يا بنت.. ابن عمك هنا، عاوز شوية حطب مولعين. انبعث من داخل الخيمة صوت أنثوي جميل: قيس عندنا، يا مرحبا يا مرحبا.. ده أنا أولع له صوابعي شمع.. في تلك اللحظة جاءت لأبي ليلى مكالمة على تليفونه الجوال انصرف بعدها على الفور، استدعوه في مأمورية إغارة على قبيلة أخرى. تركني بعد أن قال لي: مش حاغيب.. هم ساعتين تلاتة بالكتير، نخلّص على رجالتهم وناخد نسوانهم وعيالهم ومعيزهم.. الجمال خدناها منهم الجمعة اللي فاتت.. خد راحتك.. البيت بيتك. اختفى الأب وظهرت ليلى. قدمت نفسي للسيد قيس بوصفي ضيفا قادما من المستقبل في إجازة سريعة، استأذنت في الانصراف غير أنه أصر على وجودي بالقرب من النيران المشتعلة، هذا هو الحب العفيف إذن، لا أحد لمس يد الآخر في هذا الجو الساحر المشحون بالحب، هذا نوع غريب من الحب لا يذوب فيه المحب في محبوبته، بل يحترق كل منهما وحده في مكانه، سألني قيس: أنت قادم من المستقبل.. ترى ما هو مستقبل حبنا؟

قلت له: لا أريد أن أسبب لكما ألما.. لن تتزوجا.. هكذا ستحافظان على حبكما قويا إلى الأبد.. أقصد إلى أن تموتا.. لن تتزوج ليلى لسبب بسيط هو أنك تحبها وهي تحبك، وأبوها يعرف ذلك، والقبيلة كلها تعرف ذلك، بل الجزيرة العربية كلها يعرفون ذلك.. ولهذا السبب لن يوافق أبوها على زواجك بها.. سيزوجها لشخص آخر فتمرض وتموت وتمرض أنت أيضا وتموت.. والسبب هو أنك صرحت علنا من خلال أشعارك أنك تحب ليلى.. غير أن السبب الحقيقي هو كراهية الحياة نفسها ليس عند الأب فقط، بل عندكم جميعا، هو سيرفض زواجك منها لأنك شخص واضح تعبر في وضوح عما تشعر به في إطار تقاليد تمجد الإخفاء والالتواء، والشخص الذي سيتزوجها هو أيضا وغد كبير خاصمته الرجولة. كيف لرجل يحترم نفسه أن يكون في فراش واحد مع امرأة يعرف أنها تحب شخصا آخر، هذه حالة مرضية وليست حبا.. تصبحوا على خير.