أنفاق الشر

TT

في زمن الفراعنة، كانت حدود الدولة المصرية معروفة، ومحمية بسلطة الدولة وأداتها الأمنية وهي الجيش المصري، وكان هناك فرق واضح بين نوعين من الحدود؛ الأول وهو حدود مصر، وتحميها نقاط دفاعية ثابتة، عبارة عن حصون وقلاع دفاعية سواء في الجنوب أو الشمال الشرقي، أو الحدود الغربية حيث كانت تنتشر نقاط الحماية في الواحات المصرية. والنوع الثاني من الحدود، هو حدود الإمبراطورية المصرية، وذلك عندما توسعت دولة الفراعنة شمالا وجنوبا وأخضعت بلدانا ودويلات كثيرة لسلطان الدولة المصرية وقد حدث ذلك خلال عصر الدولة الحديثة من 1500 قبل الميلاد، وكان أسلوب حماية حدود الإمبراطورية المصرية يعتمد على أكثر من وسيلة؛ منها تولية من تضمن مصر ولاءه لها كحكام على هذه البلاد، وكذلك بناء قلاع وحصون مصرية يقيم بها جنود مصريون لمتابعة ورصد الأوضاع الأمنية بربوع الإمبراطورية. وما من شك أن الجندي المصري كان له الإسهام الأكبر في توفير الأمن والحماية للحضارة المصرية القديمة وكان عاملا مهما من عوامل استمرارها وتطورها، فلا حضارة من دون أمن واستقرار؛ فمن لا يستقر ويأمن لا ينمو ويتحضر. الغريب أن بعد هذا التاريخ الطويل للجندية المصرية الراسخة وبعد سجل حافل في تطوير العلوم العسكرية، نرى حدودنا الشمالية الشرقية تنتهك بمئات الأنفاق، حفرها مهربون جشعون من الجانبين المصري والغزاوي، وهي ليست لخدمة الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال، ولا علاقة لشعب فلسطين بهذه الأنفاق بشكل أو بآخر، والأمر كله يتلخص في الآتي: مجرمون لا يتورعون عن القتل من أجل المال يحفرون الأنفاق لتهريب السلع الغذائية المدعمة والمحروقات المدعمة من بنزين وسولار وأيضا السيارات المسروقة من مصر، فهل تذهب هذه البضائع المهربة والمسروقة من مصر بأسعار زهيدة إلى غزة لرفع المعاناة عن أهلنا هناك، بالطبع لا؛ فإن فارق السعر يقتسم بين المهربين من مصر وغزة، وبالتالي فإن المستفيد الوحيد من الأنفاق هم هؤلاء الخونة القتلة الذين يتاجرون بدماء أهلهم من هنا وهناك. أما عن سبب اتهامهم بالخيانة والقتل، فهو أن مصر تعطي الغذاء والطاقة ويأتيها السلاح المصنع محليا في ورش تصنيع السلاح بغزة، الذي بدلا من أن يوجه لعدو الشعب الفلسطيني يوجه لصدور جنودنا بسيناء، بل ويصل إلى قلب القاهرة لتنفيذ اغتيالات وعمليات إرهابية. وإلى جانب السلاح، يدخل المجرمون المدربون لخلخلة الأمن المصري وزعزعة السيادة المصرية على الأرض، والهدف إسقاط الدولة المصرية. وللأنفاق وظيفة أخيرة وهي تهريب المجرمين، سواء المطلوبين أمنيا أو الهاربين من السجون المصرية والصادر بحقهم أحكام قضائية. أكثر من 15 ألف سيارة لمواطنين مصريين سرقت وخرجت عبر الأنفاق إلى غزة، سواء لتباع ويعاد ترخيصها بغزة أو لتفكك وتباع كقطع غيار، أيعقل أن يذهب المصريون إلى غزة للبحث بأنفسهم عن سياراتهم المسروقة وعندما يتعرفون عليها يكون عليهم دفع فدية لاستعادتها! وفي الغالب لا تعود، ومنهم من مات حسرة على أمواله وممتلكاته التي اغتصبت منه ويراها أمام عينيه ولا يستطيع فعل شيء! لا نريد أنفاق الشر والإرهاب تخترق حدودنا وأمننا. نريد تجارة النور، لا تجارة الظلام والدم. لا نريد فقط هدم الأنفاق، ولكن نريد محاكمة المجرمين أصحاب هذه الأنفاق.. كيف نسمع عن هدم مئات الأنفاق ولا نسمع عن محاكمة واحد من مصاصي دماء المصريين؟ أليس من العدل محاكمتهم بتهمة الاشتراك في عمليات قتل جنودنا بسيناء؟ نريد عودة مفهوم الأمن الوطني للدولة المصرية الذي تأسس منذ فجر التاريخ المصري. نريد تطهير أرض الفيروز.