ابعثوا للأسد برسالة يمكنه استيعابها

TT

التقيت بشار لأول مرة في قصره في دمشق قبل عشرة أعوام. وفي مايو (أيار) 2003. كنت جزءا من فريق رفيع المستوى تابع للحكومة الأميركية والذي توجه إلى سوريا وأمر الأسد بمنع إرسال الجهاديين إلى العراق لقتل الأميركيين؛ والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية في سوريا ولبنان وفلسطين؛ ووقف تطوير أسلحة الدمار الشامل.

لم يكن بمقدور المسؤولين الأميركيين أن يكونوا أكثر وضوحا، ونحن نقرع الرئيس السوري في وطنه. وبشجاعة، نفى بأسلوب مهذب صحة كل اتهاماتنا وطلب منا تقديم أدلة عليها. لذلك، فبعد بضعة أشهر، سافر فريق آخر من المسؤولين الأميركيين، كنت أنا من بينهم، إلى دمشق واتخذنا خطوة إضافية، حيث قدمنا له دليلا لا جدال فيه على التصرف غير المقبول الذي، مثلما حذرنا، كان بحاجة للإقلاع عنه على الفور. لم يكن ثمة غموض في رسالتنا – أو هكذا اعتقدنا.

غير أن الرسالة التي ظننا أننا قد نقلناها للأسد لم تكن هي تلك التي وصلته. فبدلا من أن ينتابه الشعور بالخوف من تحذيرنا، شعر الأسد براحة من حقيقة أن المسؤولين الأميركيين تكبدوا عناء السفر إليه للحديث معه. ومن هذا المنطلق، استدل أن همه الأساسي الوحيد – البقاء الفعلي – لم يعد مشكلة: لم تكن الولايات المتحدة لتطيح به، مثلما فعلت مع صدام حسين في دولة العراق المجاورة.

هذه الحادثة تستحق الاسترجاع، بينما تنظر الدولة في ماهية الإجراء، إن وجد، الذي يمكن اتخاذه حيال سوريا. لقد أوضح الرئيس أوباما هدفه الأساسي من شن غارة عسكرية بتوجيه «رسالة تحذيرية»، بحيث يقوم الأسد «بتلبية المطلب المحدود المتعلق بالأسلحة الكيماوية».

إن الهدف الرئيس من مشروع القانون الذي اقترحه الرئيس هو منع استخدام الأسلحة الكيماوية أو أي أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل في المستقبل.

ربما تكون تلك رسالة الرئيس، لكن بالتأكيد سيتلقاها الأسد بصورة مختلفة. سوف ينصب تركيز الرئيس السوري على المحظورات المفروضة ذاتيا من الولايات المتحدة على أي عمل عسكري – لا «قوات أميركية على الأرض»، لا جهد يبذل لإسقاط النظام، ولا جهد جادا يبذل لقلب توازن القوى في سوريا، ولا «حملة طويلة الأجل». بعدها، سوف يتنهد في حالة من الراحة. سوف يجد الأسد ملاذا في التزام أوباما المعلن الخطوات التي «ستكون محدودة جدا ولن تضم التزاما طويل الأجل أو عملية أساسية». ولم لا؟ يرقى هذا إلى درجة القول إنه، بعيدا عن استخدام الأسلحة الكيماوية، لا تستحق عمليات القتل الوحشية التي يرتكبها الأسد حتى الآن رد فعل أميركيا.

الأسد بلا شك مستعد لتلقي بعض الضربات من الولايات المتحدة كعقاب لاستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. بإمكان نظامه امتصاص تلك الضربات، مثلما امتصت ضربات أميركية أخرى. في ديسمبر (كانون الأول) 1983، أطلقت القوات الجوية الأميركية 28 طائرة مقاتلة ضد مواقع الجيش السوري في لبنان بعد أن أطلق السوريون صواريخ أرض جو على طائرة استطلاع أميركية. في ذلك الوقت، أشار البنتاغون إلى أن الهدف كان منع مزيد من الاستهداف لرحلات طائرات الاستطلاع الأميركية. لكن ذلك لم يجد نفعا. فقد أسقطت نيران مدافع سورية مضادة للطائرات طائرتين نفاثتين أميركيتين. وفي فبراير (شباط) 1984. قصفت الولايات المتحدة أهدافا سورية من السفن الحربية فيما عرف بأنه «أشد قصف بحري منذ الحرب الكورية». ظل سلوك سوريا كما هو من دون أي تغيير، وعادت القوات الأميركية إلى أرض الوطن.

وفي خضم الحرب الأهلية الوحشية في سوريا، من المرجح أن يوظف الأسد الغارات الجوية الأميركية المحدودة في الأسابيع القادمة لتعبئة المشاعر الوطنية، على مستوى الوطن داخليا والشرق الأوسط بأكمله خارجيا، ضد «القوى الإرهابية» الأجنبية والإمبرياليين الذين قد ألقى اللوم عليهم في أحداث العنف في سوريا. ربما يحفز استخدام القوة العسكرية الأميركية الأسد على عدم شن المزيد من الهجمات بالأسلحة الكيماوية، لكنه ربما يكثف استخدامه للأسلحة التقليدية ضد شعبه، مدركا أن المجتمع الدولي كان مستعدا لصرف تركيزه عن مقتل أكثر من 100 ألف سوري منذ عام 2011. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يسمح للولايات المتحدة رغم ذلك بإعلان تحقيقها أهدافها المحدودة.

ولا يتمثل البديل لمثل هذا الأسلوب المحدود الذي يكفل للأسد الفوز في معركة المفاهيم في غزو بري من قبل الولايات المتحدة. لكن إذا ما رغبت إدارة أوباما في إرسال رسالة إلى الأسد يمكنه استيعابها بشكل دقيق، فلن يكون لزاما على الولايات المتحدة فقط إبداء رد موثوق به على استخدامه مؤخرا لأسلحة كيماوية، وإنما أيضا جعله يصدق أن رد الفعل جزء من استراتيجية أكبر لإقناعه بوقف ذبح شعبه – بأي وسيلة. ومثل هذا الأسلوب قد يتطلب التزاما من جانب الولايات المتحدة بالقيام بما هو أكثر من مجرد توجيه ضربات محدودة على مرافق مرتبطة بالأسلحة الكيماوية. لكنها الرسالة الوحيدة التي سيستوعبها الأسد.

* روبرت دانين زميل رفيع المستوى بمجلس العلاقات الخارجية الأميركية، عمل نائبا لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في الفترة من عام 2005 إلى عام 2008.

* خدمة «واشنطن بوست»