أوباما وبوتين: الإجراء المزدوج المميت مستمر

TT

في عمود بتاريخ 30 أغسطس (آب)، تساءلت عما إذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين شريكين في رقصة موت.

لم أكن أعلم أن التحليل سيعاد تأكيده سريعا من خلال جولة جديدة لتلك الرقصة حول سوريا.

في الأسبوع الماضي، بدا من الواضح أن أوباما كان يبحث عن سبيل للتغلب على معضلة شبيهة بمعضلة هاملت بعد النقاش حول «فرض عقوبة» على الرئيس السوري بشار الأسد بسبب اتهامه باستخدام أسلحة كيماوية.

لقد ندم أوباما على عباراته العدائية بمجرد تفوهه بها. ولهذا، فاجأ الجميع بإعلانه عن أنه لن يتخذ أي إجراء من دون تصويت في مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وعلى مدار بضعة أيام، أمل في احتمال أن يجنبه الكونغرس هذا الموقف العصيب بتصويته «بالرفض». ورغم ذلك، ففي يوم السبت الماضي، تجلت إشارات مفادها أنه ربما يضمن أغلبية محدودة مؤيدة لما وصفه وزير الخارجية جون كيري بـ«هجوم صغير على نحو لا يمكن تصديقه».

في ذلك الوقت، هرع بوتين، شريك أوباما في رقصة الموت، إلى الإنقاذ بتقديم اقتراح لا يمكن تصديقه بشأن «المراقبة الدولية» على الأسلحة الكيماوية للأسد – الأسلحة التي يؤكد السوريون على أنه لا يمتلكها.

وانطلاقا من شعوره بالبهجة المفرطة بأنه لم يعد ملزما باتخاذ إجراء، فقد عاد أوباما إلى عادته المفضلة الممثلة في الإدلاء بخطابات، غالبا على شاشة التلفزيون، وأعلن عن أنه تم تأجيل تصويت الكونغرس «حتى إشعار آخر» وتم تعليق الهجوم «الصغير على نحو لا يمكن تصديقه».

على مدى أعوام، ساهم بوتين في جعل أوباما يتفادى موقفا عصيبا بلعب دور «الرجل السيئ» في مواجهة مظهر «الرجل الطيب» الذي يدعيه أوباما.

لكن لماذا يتعين على بوتين أن يكون حريصا على إنقاذ أوباما من تداعيات عجزه؟

الإجابة هي أنه، بالنسبة لموسكو، يعتبر أوباما أفضل رئيس أميركي بعد جيمي كارتر.

كارتر هو الرئيس الذي شغل فترة واحدة والذي منح الاتحاد السوفياتي السابق مدة أربعة أعوام للظهور كقوة عالمية.

وفي تلك الأعوام، دفعت موسكو الشيوعيين في إيران نحو التحالف مع الملالي في ظل حكم روح الله الخميني من أجل إسقاط الشاه. بعدها، استغلت موسكو الخميني في التخلص من المستشارين الأميركيين البالغ عددهم 23 ألفا الذين يعملون مع القوات الجوية للشاه. علاوة على ذلك، فقد ألغى الخميني «مراكز التنصت» الاثنين والثلاثين التي أنشأتها الأمم المتحدة في ظل معاهدة دولية لمراقبة اختبارات الصواريخ السوفياتية. بعدها، جاءت مظاهر العجز الأميركي عندما داهم «الطلاب» الخمينيون والشيوعيون مقر السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا الدبلوماسيين العاملين بها كرهائن لمدة 444 يوما.

لم يقف الأمر عند هذا الحد. فقد أمرت موسكو باغتيال الرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين وجعلت رجلا من جهاز الاستخبارات السوفياتي، هو بابراك كارمل، يحل محله. وعندما ثار الأفغان، أرسلت موسكو الجيش الأحمر لسحقهم.

وفي القرن الأفريقي، استولى منغستو هايلي ميريام المؤيد لموسكو على السلطة مع بدء كارتر مدة رئاسته. وفي خلال الأربع سنوات التالية، رسخ الاتحاد السوفياتي مكانته كقوة رئيسية في أفريقيا.

وفي أوروبا، عين الاتحاد السوفياتي أراضي اتفاقية شركاء معاهدة وارسو بصواريخ «إس إس 20»، على نحو يخل بتوازن القوى في الحرب الباردة.

كان رد فعل كارتر تجاه جنون التوسع لدى الاتحاد السوفياتي هو مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية في موسكو، وهي خطوة أتاحت للروس الفوز بكم أكبر من الميداليات الذهبية.

حسنا، كان هذا حينها، ربما تقول: ما الذي فعله أوباما لإرضاء بوتين؟

الإجابة هي: الكثير.

وهذه بعض الأمثلة، في أغسطس 2008، غزت روسيا جورجيا وشغلت 25% من أرضها. وكان المفترض أن يتخذ مجلس الأمن إجراء في جلسة في فبراير (شباط) 2009. ولم يحدث ذلك مطلقا. بمجرد أدائه اليمين كرئيس لأميركا، نحى أوباما الأمر برمته جانبا. ومنذ ذلك الحين، قامت روسيا بالاستيلاء فعليا على أوستيا الجنوبية وأبخازيا ومشغولة بتحويل ما تبقى من جورجيا إلى قمر صناعي.

لقد ضغط بوتين على جمهوريات آسيا الوسطى، وخاصة طاجكستان وقرغيزستان، للعودة مجددا إلى الجبهة السوفياتية القديمة، ليقصي الأميركيين ويجبر على إغلاق القواعد اللوجستية الأميركية.

لقد تمت الإطاحة بالحكومة المؤيدة للولايات المتحدة في أوكرانيا وسجن زعيمها. وشغل موقعه رجل يتطلع إلى موسكو لا إلى واشنطن.

إن بوتين قد «أقنع» أوباما بإلغاء درع دفاع صاروخي كان الرئيس جورج بوش الابن قد خطط لإنشائه في وسط وشرق أوروبا.

لقد عزز بوتين التحالفات المعادية للولايات المتحدة التي تضم إيران وسوريا، وفي سياق مختلف، الصين وجمهوريات آسيا الوسطى. وقبل أن يصبح أوباما رئيسا، اقتصرت صادرات موسكو من الأسلحة لأميركا اللاتينية على كوبا. وفي عام 2013. زاد العدد ليصل إلى 14 دولة.

وبتعاون أوباما، عزز بوتين مطامح إيران النووية. فقد تم تعليق خمسة مشروعات قوانين لمجلس الأمن مقابل «محادثات عن محادثات» متقطعة. وحينما أصبح أوباما رئيسا، كان لدى إيران 100 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5%. واليوم، لديها 3000 كيلوغرام، جزء منها مخصب بنسبة 20%. قبل أوباما، كان لدى إيران 800 جهاز طرد مركزي يعمل؛ وأصبح لديها الآن 12 ألف جهاز.

تجاهل أوباما اعتراضات الولايات المتحدة التي، رغم 18 عاما من المفاوضات، منعت روسيا من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، الأمر الذي حقق لبوتين أكبر انتصاراته الدبلوماسية.

تم تعليق عملية إعادة تصميم منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتوسيع نطاقها لتشمل أعضاء جددا و-أو شركاء في أوروبا وما وراء القوقاز وآسيا الوسطى. إضافة إلى ذلك، فقد أوقفت اتفاقيات التعاون مع ست دول عربية.

ربما تلائم الشراكة بين أوباما وبوتين كلا منهما.

ورغم ذلك، فإن ثمة ثلاث نقاط تستحق الانتباه.

الأولى هي أن الإجراء المزدوج لا يلائم بالضرورة مصالح الولايات المتحدة أو روسيا.

وتتمثل النقطة الثانية في أنه ربما يكون أوباما وبوتين سعيدين، فسوف تستمر المجزرة في سوريا. لا ينبغي تجاهل خطر أن تتحول سوريا إلى صومال على البحر المتوسط.

في النهاية، سوف يبلي بوتين بلاء حسنا بإعادته قراءة التاريخ. كان كارتر نافعا بالنسبة للاتحاد السوفياتي. غير أن كارتر مهد الطريق لرونالد ريغان ولسقوط الإمبراطورية السوفياتية.