«الله أكبر» بين ماكين ودزرائيلي!

TT

هناك أزمة تفاهم بين الشرق المسلم والغرب المسيحي.

الشرق بأقوامه ولغته وتاريخه وثقافته وهويته. والغرب كذلك.

الشرق بجروحه الحالية وأمجاده الغابرة، والغرب بنهضته الحالية وتخلفه الغابر.

هناك خطوط تماس وتداخل دائمة بين الغرب والشرق، منذ غزوات الإسكندر المقدوني إلى حروب الفاتحين في الأندلس وجبال البرانس، وجحافل العثمانيين في بلاد البلقان وممالك المجر، وصولا إلى جيوش نابليون في مصر والشام، وجيوش الإنجليز التي قهرت البحار والقفار.

نحن في صلب تفكيرهم وشعورهم، وهم كذلك.

كتب الأستاذ أمير طاهري، في صفحة الكتب بهذه الجريدة، قطعة رائعة عن الزعيم السياسي البريطاني الشهير بنيامين دزرائيلي (1804 - 1881)، وسمها بصفة دالة من صفات هذا «الأيقونة» السياسية البريطانية وهي «الحكيم الشرقي».

أهم ما لفتني في هذه القطعة التي عرض فيها لكتاب ألفه وزير الخارجية البريطاني الأسبق دوغلاس هيرد ويشاركه إدوارد يونغ، هو أن دزرائيلي كان مغرما بالشرق، رغم أنه يعتبر المؤسس الحقيقي لتقاليد حزب المحافظين، ورمزا من رموز الاستعمار البريطاني. كان لهذا الزعيم الفيكتوري رحلات إلى الشرق الإسلامي والعربي، حفظ فيها الكثير من مقولات المسلمين. كيف لا وهو سليل عائلة يهودية شرقية في الأساس هاجرت من فلسطين إلى المغرب إلى إيطاليا وصولا إلى بريطانيا.

يذكر هيرد ويونغ في كتابهما، أن رحلة دزرائيلي الشرقية كان لها تأثير عميق عليه فيما بعد. يستدرك طاهري: غاب عنهما بعض غموض الهوية الداخلية لدزرائيلي التي قام هو ببنائها. فقد كان يرى أن اليهودية والمسيحية والإسلام تعود إلى نفس الديانة الإبراهيمية، ويفترض حرية التنقل عبر حدودها كما تمنى. وحتى نهاية حياته، غالبا ما كان دزرائيلي يستخدم شعار «الله أكبر» لإنهاء مناقشة أو جدال. في عام 1868 وفي اليوم الذي تم تعيينه رئيسا للوزراء، قال لصديقه جيمس كيلي: «كما نقول في الشرق: الله أكبر».

هي نفس العبارة التي دافع عنها السيناتور الأميركي الجمهوري جون ماكين في سياق الهجوم اليميني الأميركي الغوغائي الذي يشنه أصوليو أميركا ضد «كل» ما هو مسلم، خصوصا في سياق الحديث عن أزمة سوريا.

جاء دفاع ماكين عن استخدام عبارة «الله أكبر»، أثناء جداله مع برايان كيمليد في محطة «فوكس نيوز» الأميركية، حيث قال كيمليد: «نحن أمام مشكلة بمساعدة هؤلاء الصارخين بالتكبير»، فانتقده ماكين وسأله: «هل ستكون لديك مشكلة مع أميركي يلفظ عبارة (شكرا لله.. شكرا لله؟ هذا ما يقولونه)»، يقصد المقاتلين السوريين.

في القطعة الرائعة عن سيرة الزعيم البريطاني دزرائيلي، يختم طاهري بهذه الفقرة الذكية:

«قضى هيرد ويونغ بعض الوقت في إثبات أن بعض العبارات الشهيرة التي تعزى إلى دزرائيلي لم تكن له، لكني أنقل واحدة من العبارات التي لم يثر حولها الجدل: «لا تتصرف تحت ضغط الرأي العام وإلا أصبحت عبدا له».

ومنا إلى أبناء دزرائيلي في لندن وواشنطن!

[email protected]