رضا لاري.. إلى رحمة الله

TT

عندما يدرك الموت الكبار تدرك مدى صعوبة تعويض فقدهم. فقدت الصحافة السعودية اسما كبيرا من كبار رجالها بوفاة رضا لاري الذي وافته المنية البارحة بعد صراع غير قصير ولا بسيط مع المرض الذي أنهكه كثيرا في السنوات الأخيرة. بدأ رضا لاري حياته في المجال الدبلوماسي، وعمل في سفارات السعودية في أفريقيا وأوروبا، ولكنه كان دوما مفتونا بالعمل الصحافي والقلم. وكان له ما أراد حين عمل بصحيفة «عكاظ» ورأس تحريرها، وهي فترة حضرتها عن قرب نظرا لأن والدي الراحل علي شبكشي كان يدير المؤسسة وقتها، وشكّلا ثنائيا لافتا ساهم في إحداث نقلة لافتة في الصحافة السعودية.

تميز رضا لاري بعمل دؤوب وحب للمغامرة، أجرى مقابلات صحافية غير مسبوقة مع قادة وزعماء عرب مثل: أنور السادات وجعفر نميري وغيرهما من الساسة، وكان له موقف مهم ومشهور عندما حضر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى المملكة في زيارة رسمية وعقد مؤتمرا صحافيا بعد اختتام مباحثاته، وكانت زيارته بعد وقت ليس بالطويل من مذبحته الشهيرة بحق أهالي مدينة حماه التي ذهب ضحيتها أكثر من 45 ألف شخص قضوا بأسوأ الوسائل وأكثرها وحشية، فما كان من رضا لاري إلا أن سأل حافظ الأسد سؤالا مباشرا: «ماذا فعلت بأهل سوريا وحماه؟». فاكفهر وجه حافظ الأسد وظهر عليه الغضب الشديد والهائل وخرج مسرعا من القاعة وأبلغ احتجاجه الشديد على سؤال رضا لاري.

كان رضا لاري دوما ما يحاول أن يقدم مادة صحافية غير تقليدية، ويغامر باقتحام مناطق شائكة وصعبة وغير تقليدية جلبت له المتاعب وسخط الناس عليه في بعض الحالات. كان صاحب روح مرحة ونكتة لاذعة وحضور لافت، معروف بتعليقاته الساخرة ونوادره الممتعة وقصصه التي لا يمل الحضور سماعها. الكل كان يشهد بطيبة قلب «أبو أحمد»، كما كان يناديه أحبابه، فهذه كانت أهم صفاته، أهمل كثيرا في صحته رغم نصائح كل من عرفه خوفا عليه. انتقل من رئاسة تحرير «عكاظ» إلى رئاسة «سعودي غازيت»؛ فلقد كان ملما ومتمكنا من الإنجليزية بالإضافة إلى اللغة الفرنسية بحكم تعليمه وعمله الدبلوماسي الأول. كون علاقات لافتة مع الكثير من الصحافيين، مثل تركي السديري وخالد المالك وخالد المعينا وعثمان العمير وعبد الله باجبير وعبد الرحمن الراشد، وكان يلقب دوما بأنه «فاكهة الصحافة السعودية»؛ نظرا لحضوره المميز دائما وسط زملائه وأحبابه. اعتزل وتقاعد من العمل الصحافي التحريري وتفرغ لكتابة عمود صحافي أسبوعي في صحيفة «الرياض» كان يتناول فيه أهم الأحداث السياسية الدولية والعربية. كان أخا بارا وأبا وفيا وصديقا مخلصا لكل من عرفه. سجل اسمه بقوة وثبات في تاريخ الصحافة السعودية، وسيكتب أنه ساهم في إحداث نقلات لافتة في الأسلوب التحريري للصحافة المحلية بالسعودية والدخول في مناطق وعرة وغير مسبوقة.

في أحد الأعداد العكاظية التي حضرت ولادتها لاحظت الجدل الواسع عن عنوان رئيس يرغب في وضعه وقرر ألا يكون هناك عنوان واحد رئيس وإلغاء فكرة «المانشيت» والعمل بعنوانين، واختار أحد العنوانين أن يكون عن اجتماع للحزب الشيوعي الروسي وقتها، وفي ذلك الوقت كان الحديث عن الشيوعية من الممنوعات، ولكن الخبر كان مهما وقضى اليوم الثاني يخشى حصول توبيخ له، ولكن مرت بسلام وتنفس بعدها الصعداء. كان دائم الحوار والجدال والنقاش مع وزراء الإعلام بالسعودية في كل المناسبات، ولكنهم كانوا يتلقون شكاواه وتعليقاته واقتراحاته بنفس طيبة لما يعرفون عن الرجل من توجه وطني خالص وقلب صافٍ.

لا أملك في غياب الكبار سوى التوجه لرب العباد بالدعاء لرضا لاري بالرحمة الواسعة، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».