«الجين الرياضي» في علم الأداء الرياضي

TT

كان دونالد توماس يقف مع زملائه في الجامعة وهو يتفاخر بمهاراته في كرة السلة، ولذا دخلوا معه في رهان حول قدرته على القفز ستة أقدام وست بوصات في مسابقة للوثب العالي. وعندما قفز توماس فوق القضيب المعدني على ارتفاع سبعة أقدام، طلب الخاسرون من المدير الفني لفريقهم ضمه للفريق. وبعد ثمانية عشر شهرا، حصل توماس على بطولة العالم مع هذا الفريق.

ويعد ألبرت بوغولس أحد أفضل لاعبي البيسبول في عصره، ولكنه خسر بشكل سيئ عندما واجه جيني فينش الذي كان يلعب بكل مكر ودهاء. ربما كانت الطبيعة مقابل التنشئة السليمة والتغذية موضوعا شائعا عندما كان عشاق الرياضة يتبادلون الرسائل النصية على الألواح الطينية خلال دورة الألعاب الأولمبية في اليونان القديمة. في الحقيقة، لا يزال هذا الموضوع قائما إلى الآن، وتوماس بالتأكيد من نوعية الرياضيين الذين وهبتهم الطبيعة قدرات فائقة، حيث تبين أنه يملك «كعبا عملاقا» يقوم بدور زنبرك كبير يساعده على القفز والارتقاء.

وعلى الجانب الآخر، هناك بوغولس الذي يملك قدرة كبيرة على القيام بـ«رد فعل في وقت بسيط»، وهو ليس شيئا استثنائيا، ولكنه يقوم بجمع «قاعدة بيانات ذهنية» واسعة تمكنه من «الرؤية في المستقبل». إنه لا يخمن، ولكنه يعرف تماما، مكان وتوقيت وصول الكرة إلى لوحة الهدف، ولكنه لم يكن لديه قاعدة بيانات أمام فينش.

وفي كتابه الرائع «جين الرياضة»، توصل ديفيد إبشتاين – وهو كاتب بارز بمجلة «سبورتس اليوستريتد» وعداء سابق – إلى استنتاج مذهل يقول: الطبيعة والتنشئة كلتاهما عنصران أساسيان لأي إنجاز رياضي. وكتب إبشتاين يقول: «الحقيقة دائما تكمن، حتى على أبسط المستويات، في قدرات ذهنية وقدرات بدنية. اكتساب المهارات الرياضية لا يحدث من دون جينات معينة وبيئة معينة، وغالبا ما يجب أن تتزامن الجينات والبيئة في وقت محدد».

وبطبيعة الحال، يمكن للبيئة أن تغطي كثيرا من العوامل، حيث يدرك العداؤون أنه يتعين عليهم التدريب في أماكن مرتفعة عن سطح البحر بما يتراوح بين 6.000 قدم و9.000 قدم، حيث «يكون الهواء قليلا، وليس قليلا للغاية»، فالتدريب على هذا الارتفاع يزيد من سعة الرئة بطريقة شرعية. ويحاول رياضيون آخرون، بدءا من راكبي الدراجات وحتى لاعبي البيسبول، تعزيز قدراتهم من خلال المنشطات، وليس التفاني في التدريبات. ويعد اكتشاف متناولي المنشطات بمثابة مشكلة كبيرة في العديد من الألعاب الرياضية، مثل أرمسترونغ ولانس ورودريغيز.

ويتردد كثير من الباحثين والكتاب في معالجة المسائل الجينية لأنهم يخشون من مواجهة مشاكل القوالب النمطية العرقية. ويحسب لإبشتاين أنه لم يتوان في معالجة ذلك، حيث يستعرض أفضل الدراسات والتقارير حول الأسباب التي تجعل الرياضيين السود أسرع وأكثر قدرة على الارتقاء من نظرائهم البيض.

ولا يعود ذلك إلى لون البشرة، ولكن لأنهم يتحدرون من قبائل تعيش في مناخات منخفضة وحارة وجافة. وعلى مدى أجيال لا تحصى من الانتقاء الطبيعي، أصبح الأفارقة يتميزون بصفات تتكيف بشكل جيد مع بيئتهم: سيقان طويلة وجذوع قصيرة وعظام حوض ضيقة. وهذه هي نفس الصفات التي تجعل الأفارقة متميزين للغاية في كرة السلة (يتميز الأوروبيون والآسيويون ذوو الأطراف القصيرة في رفع الأثقال والجمباز). ويضيف إبشتاين: «وبناء على ذلك، فإن الأمر لا يتعلق بالعرق ولكنه يتعلق بالجغرافيا، أو خط العرض والمناخ بصورة أكثر دقة».

وثمة العديد من العوامل الأخرى التي تختلط بالميول الجينية، ولكن قياسها أصعب بكثير. وقد أنجبت منطقة صغيرة في جامايكا «عددا هائلا من أفضل العدائين في العالم». ويتحدر أصول العديد من هؤلاء العدائين من نسل العبيد الهاربين من أفريقيا الذين أسسوا ثقافة المحاربين الأقوياء في أجزاء نائية من الجزيرة. والسؤال هنا هو: هل الفضل في التفوق الرياضي يعود إلى الطبيعة أو الرعاية؟ من الواضح أنه يعود إلى الاثنين معا.

وقال الباحث يانيس بيتسيلاديس إن «المخزون الجيني» لهؤلاء العدائين الجامايكيين قد بدأ مع «الأقوياء» الذين بيعوا كرقيق. ولم ينجح سوى «أقوى الأقوياء» في البقاء على قيد الحياة بعد «الرحلة الوحشية» إلى العالم الجديد والفرار من العبودية، ولذا جرى تقوية وتعزيز العوامل الوراثية. وبالنسبة لهؤلاء الجامايكيين، كانت السرعة شيئا أساسيا – للهرب والمطاردة والقتال. لا يتفق الجميع مع بيتسيلاديس، ولكن العداء مايكل جونسون، الحائز أربع ميداليات ذهبية أولمبية، يتفق معه، قائلا: «الرق أفاد الأحفاد أمثالي. أعتقد أن هناك جينا رياضيا ممتازا في أجسادنا».

وثمة عامل آخر وهو أن الجامايكيين يعشقون العدائين بنفس قدر عشق الأميركيين لنجوم البيسبول، ولذا فإن الرياضيين الجامايكيين يركزون على رياضة واحدة، تماما كما يركز الشباب الكنديون الموهوبون على الهوكي، والبرازيليون على كرة القدم.

وقد انهارت بعض هذه الأنماط التقليدية تحت تأثير العولمة، وأصبحت الرياضة بمثابة عملية تجارية ضخمة تحقق أرباحا هائلة، وبات النجاح على المستوى الاحترافي يتطلب درجة عالية من التخصص وقواما معينا يصعب العثور عليه – ليس في كل رياضة فحسب، ولكن في كل مركز من مراكز كل رياضة. ويمكن الحصول على المواهب من أي مكان في العالم، حيث تبحث أندية كرة السلة الأميركية، على سبيل المثال، على العمالقة في كل مكان، وقد وجدت ضالتها بالفعل في صربيا وكرواتيا وليتوانيا.

* أستاذ الصحافة والسياسة بجامعة جورج واشنطن، ويعكف حاليا على تأليف كتاب عن الرياضيين المهاجرين في أميركا

* خدمة «واشنطن بوست»