تعاطف أردوغان مع مرسي

TT

من بين قوى الشرق الأوسط كافة، وقفت تركيا على نحو فريد خلف محمد مرسي وحزب الإخوان المسلمين الذي ينتمي إليه بعد الإطاحة بهم من السلطة في يوليو (تموز) الماضي. وكلف ذلك تركيا الكثير؛ فقد سحبت مصر سفيرها من أنقرة. ومما زاد من صعوبة الموقف بالنسبة لتركيا أن القاهرة دخلت في محادثات مع اليونان لتعيين حدود للمناطق الاقتصادية البحرية المصرية واليونانية في شرق البحر المتوسط، على نحو يلحق ضررا واضحا بتركيا. الأكثر من ذلك أنه جرى طرد الشركات التركية، التي تعد مصدرا لصعود أنقرة في الشرق الأوسط، من مصر من قبل الحكومة الجديدة في القاهرة. غير أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لم يتراجع عن موقفه. إذن ما الذي يفسر دعمه الثابت لمرسي والإخوان المسلمين؟

لقد وجهت حكومة حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان في أنقرة دعمها الكامل لـ«الإخوان المسلمين» في مصر نظرا لأن أردوغان يرى جزءا من حزب العدالة والتنمية في جماعة الإخوان المسلمين.

فضلا عن ذلك، فقد كان حزب العدالة والتنمية مستبعدا من قبل بوصفه حزبا إسلاميا. ومنذ ذلك الحين، قطع الحزب شوطا طويلا عندما حظرت المحاكم التركية الحزب السابق لحزب العدالة والتنمية، وهو حزب الرفاه في عام 1998. انفصل أردوغان وقادة آخرون بحزب العدالة والتنمية عن الحركة، بالمضي في عملية إصلاح ونبذ خطاب الحزب المعادي للديمقراطية.

وهذا أعطى لحزب العدالة والتنمية مصداقية في أعين عموم الأتراك، واقترن بالأزمة الاقتصادية التي حدثت في البلاد في عام 2001، والتي قللت من مصداقية الأحزاب التي تشغل بؤرة المشهد السياسي، وسمحت لحزب العدالة والتنمية بأن يصبح أكثر الأحزاب السياسية شعبية في الدولة. وفي عام 2002 حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 34% من الأصوات. وبعد تحقيقه عقدا من النمو الاقتصادي، زاد الحزب دعمه بشكل أكبر، ليفوز بنسبة 49.9% من الأصوات في انتخابات 2011.

ولكل الأغراض العملية، يعد حزب العدالة والتنمية قوة جبارة في تركيا. لقد حكم الحزب الدولة على مدار ثلاث فترات متعاقبة، وهي مدة أطول من أي حكومة أخرى منتخبة ديمقراطيا. وقد أخضع أردوغان الجيش التركي – الذي كان يمثل من قبل سلطة مستقلة ويعد الحكم الأكبر في السياسات التركية – لسلطته.

ولتوضيح الأمر بإيجاز، واقتباسا من زميلي ستيفن كوك، فإن حزب العدالة والتنمية لا يحكم فقط، بل يسيطر على الدولة بأكملها أيضا. لقد حل حزب العدالة والتنمية تقريبا محل الدولة التركية؛ إذ يتمتع أردوغان بقدر من السلطات يفوق أي رئيس وزراء تركي منتخب آخر في تاريخ تركيا الحديث.

غير أن حزب العدالة والتنمية لا يمكنه تجاهل إدراكه لوجود تهديد من جانب الجيش؛ ففي فبراير (شباط) 1997 أثناء ما عرف لاحقا باسم «عملية 28 فبراير»، اتخذ الجيش التركي إجراء لتنسيق حركة تظاهر مدنية للإطاحة بحكومة حزب الرفاه ونتج عن هذا صدور قرار محكمة بحظر حزب الرفاه. في ذلك الوقت، وقف العالم الخارجي في صف الجيش، وأقصي حزب الرفاه بوصفه حزبا إسلاميا غير مرغوب فيه.

اليوم، يرى حزب العدالة والتنمية تشابها بين «عملية 28 فبراير» في تركيا وخلع مرسي في يوليو 2013. بالنسبة لأردوغان، يعد ما حدث لمرسي أمرا غير مقبول لأن الأمر نفسه حدث له، وكان هذا ولا يزال غير مقبول. ولهذا، حتى ما إذا تمكنت أنقرة من عقد تسوية مؤقتة مع القاهرة – ربما يعد طلبا صعبا؛ فسيكون من الصعب بالنسبة لتركيا تقبل الطريقة التي أطيح بها مرسي من السلطة.

ولكن هذا ليس وجه التشابه الوحيد. فرغم سيطرتهم على الجيش، يبدو أن النخب المنتمية لحزب العدالة والتنمية تحدوها مخاوف عميقة من أن يتخذ الجيش إجراء ضدها، مما يؤدي بها لأن تستنتج أنه «إذا قبل العالم ما حدث لمرسي اليوم، فما دافعنا لتصديق أنهم لن يقبلوا انقلابا عسكريا ضدنا غدا؟».

لقد تجاوزت تركيا انقلابات عسكرية سابقة، لكن الخوف غير المستند لأسس يخيم على عقول الكثيرين في حزب العدالة والتنمية من ألا يكون من المرجح أن يدعم الحزب الحاكم الإطاحة بمرسي. ويرجع هذا إلى أن حزب العدالة والتنمية لا يرى فقط جزءا من ماضيه في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، بل أيضا جزءا من مستقبله التخيلي.

* زميل بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومؤلف الكتاب القادم: «صعود تركيا: أول قوة إسلامية في القرن الحادي والعشرين»