النملة والفراشة والنحلة

TT

بعد أن مللت ويئست من متابعة ما يفعله إنسان الشرق الأوسط بنفسه قضيت الصيف أجلس في حديقة بيتي وأتابع ما تقوم به الحشرات. فما دمنا عجزنا عن تعلم أي شيء مما أنجزه العالم الغربي فربما نستطيع أن نتعلم شيئا مما تفعله الحشرات.

سبقني الكاتب الأميركي توم بين في مراقبة النملة فلم يترك لي فرصة لأقول فيها ما أقول. ينظر الناس إلى النملة كمخلوق مجد ونشيط وذكي. بيد أن توم بين راقبها فلم يجد فيها غير الغباء وسوء المسعى. قال رأيتها تخرج من جحرها صباحا وتركض في أي اتجاه من دون أن تعرف مقصدها. تأكل أي شيء في طريقها تعود مساء من دون أن يكون في فمها أي طعام لأسرتها. تحاول الرجوع إلى مسكنها فتنسى مكانه. تركض يمينا ثم تكتشف أن هذا لا يؤدي بها إلى شيء فتعود من حيث أتت. تضل طريقها فتجد نفسها أمام حجر. وبدلا من الالتفاف حوله تحاول تسلقه فتسقط وتنقلب على ظهرها. تضرب بأرجلها بعصبية حتى تتمكن من الوقوف ثانية. تقضي كل عمرها من دون أن توفق إلى اكتشاف أقصر وأسلم طريق لبيتها، تماما في رأيي مثل الإخوانيين والإسلامويين. تبدأ بالسير ثانية فإذا برجل من العساكر يمر في طريقه فيدوس عليها ويسحقها.

وكما قلت لم أتابع النملة. بيد أنني فضلت حشرة أجمل.. الفراشة. هذا موسم الفراشات في لندن. وبعد أن لاحظتها وجدت نفسي متفقا مع العلماء في قولهم إن الفراشة على صغرها ورقتها لها أقوى عضلات بين كل المخلوقات. فهي تحلق وتضرب بجناحيها لساعات، تتنقل من حديقة إلى حديقة من دون أن تمل أو تتعب أو تحط لتستريح، وكله من دون أن تنجز أي شيء أو تهتدي لأي غرض. تماما مثل بعض فتياتنا من بنات الطبقة المتوسطة. كل ما تفعله هو أن تتبختر وتتباهى بحسنها. يظهر أنها تنتظر من يأتي ليطعمها. أحاول ذلك فتضرب بجناحيها وتهرب مني. أيضا تماما مثل فتياتنا.

الحشرة التي نالت إعجابي كانت النحلة. وهي مثال للحكمة وحسن السلوك. لها ملكة تخدمها والملكة بدورها تسهر على دوام القبيلة وسلامتها وازدهارها. ما إن تراني النحلة آتي بطعامي حتى تنطلق نحوي، توز في أذني وتطنطن. مهما أحاول أن أضربها أو أطردها تراوغني وتنجو. لا أملك في الأخير غير أن أتركها لتأخذ نصيبها من طعامي حتى تشبع. تأقلمت وتعودت علي إحداها. يظهر أنها عرفت موعد غدائي وسجلته في مفكرتها التي تلتزم بها ولا تنساها، على خلاف ما تفعله سائر أحزابنا. فما إن أخرج من البيت بصينية طعامي حتى أراها تنطلق من مطارها على غصن شجرة التفاح وتلاحقني. اعتادت على أخذ نصيبها من المربى والحلوى التي أتركها. وأعطتني درسا صارما في العدالة.. فلم أترك لها شيئا من ذلك يوما. فظلت تدور حولي غاضبة ثم هاجمتني ولدغتني من يدي. ولسان حالها يقول: هذا جزاء من لا يعطي الناس نصيبهم.