هل تبرأ العالم من الشعب السوري؟

TT

لم يعد لدى الشعب السوري ما يخسره لقد وصل إلى مرحلة فقدان الثقة بالمجتمع الدولي الذي يقوم على المبادئ والقيم الإنسانية العليا وحقوق الإنسان، وغيرها من المبادئ التي قامت من أجلها منظمة الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة لها التي تدافع عن حق كل شعب بأن يعيش حياة كريمة على أرضه، ومنذ أكثر من عامين والنظام السوري الديكتاتوري يواصل سياسة الأرض المحروقة والمجازر المروعة، حيث يصل عدد القتلى إلى 150 ألف قتيل وأكثر من ثلاثة ملايين مشرد في العراء، وبذلك وصل الشعب السوري إلى مرحلة أصبح فيها على استعداد أن يقبل التعاون والتدخل من أي جهة في العالم.

لقد كان هذا الشعب رهينة منذ سنوات لنظام لا يعرف الرحمة. من هذا المنطلق علينا أن نعرف لماذا يرحب الشعب السوري بالضربة الأميركية المرتقبة، بل فقد تكون هي القشة التي تقصم ظهر البعير لكي يتخلص من هذا النظام الدموي، الذي يستند بدوره إلى قوتين كبيرتين وهما روسيا وإيران وميليشيات حزب الله ومليشيات طائفية عراقية.

وكشفت مجزرة الغوطة الكيماوية عن الكثير من الحقائق أهمها هشاشة النظام العالمي الجديد، الذي تغنت به الدول الكبرى بأنه عصر الديمقراطية والحرية للشعوب، فأي ديمقراطية هذه التي تسمح بأن يذبح شعب بأكمله ويباد أطفال ونساء وشيوخ بدم بارد على مرأى ومسمع من العالم من دون ذنب، أي ديمقراطية هذه التي تسمح بتهجير شعب كامل عن أرضه ودياره ويظل العالم يتفرج، لقد فضحت الثورة السورية الجميع من دون استثناء، بدءا من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وانتهاء بجامعة الدول العربية.

وأول مؤسسة إقليمية تسأل هي جامعة الدول العربية التي جاء اجتماعها الأخير في القاهرة مخيبا للآمال، فبدل أن تتحمل هي قضية الشعب السوري ألقت باللائمة على مجلس الأمن الدولي، وهذا الموقف في مضمونه هو تهرب من قضية الشعب السوري. وإقرارا للحق لا بد من الإشادة بالموقف السعودي والخليجي فلقد لعبت الدبلوماسية السعودية دورا كبيرا على الصعيد الدولي في إقناع العالم بضرورة اتخاذ موقف حازم وفوري.

لقد تأخرت منظمة الأمم المتحدة كثيرا في لجم النظام السوري وحرب الإبادة البشرية التي يقوم بها، بسبب عقم آلية اتخاذ القرار في هذه المنظمة فلا قرار يتخذ إلا ويقابل بالفيتو الروسي أو الصيني، وكذلك استنفدت منظمة الأمم المتحدة كل الحلول السياسية إلى أن جاءت محرقة الغوطة التي استخدم فيها النظام الأسلحة الكيماوية وغاز السيرين وغيره من الغازات السامة المحرمة دوليا لكي يوضع النظام العالمي الجديد على المحك وخاصة الدول الكبرى.

ووجد العالم نفسه في موقف لا يحسد عليه، وخاصة الرئيس الأميركي أوباما الذي تعهد منذ فترة بأن العالم لن يسمح للنظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية فهذا خط أحمر وبذلك وجد الرئيس الأميركي نفسه في مأزق، ومن جانبه قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مرافعته أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي محاولا إقناع أعضاء اللجنة بقرار الضربة العسكرية «بأنه إذا لم تجر الموافقة على قرار الضربة العسكرية، فسيكون ذلك بمثابة كارثة لأميركا وستفقد أميركا مصداقيتها أمام العالم». أين النظام العالمي الجديد الذي بشر به الغرب في القرن الجديد؟ نحن ظننا أن عصر الأنظمة الديكتاتورية قد ولى وزال، ولكن يبدو أن العالم ما زال يراوح مكانه، هل تنتظر الأمم المتحدة حتى تحدث مجازر أخرى في سوريا؟

ولأول مرة منذ تولي الرئيس الأميركي باراك أوباما منصبه رئيسا للولايات المتحدة منذ الفترة الأولى وحتى الآن، يظهر الرئيس الأميركي في موقف تردد، بسبب صعوبة القرار الذي يقدم على اتخاذه فهو من ناحية لا يريد أن يكرر السيناريو الذي مرت به الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان حين فقدت أميركا ستة آلاف جندي في العراق فقط، ولذا يكرر أوباما في كلامه دائما أنه لن تكون هناك حرب برية، ومن جانب آخر وجد أوباما نفسه يواجه بضغوط من الفريق الذي يعمل معه وكذلك من الرأي العام العالمي، وهذا ما يجعله في صراع إقدام وإحجام مما يفسر لنا لماذا يريد أوباما أخذ موافقة مجلس الكونغرس وكسب الرأي العام الأميركي، على الرغم من أن مركزه كرئيس للولايات المتحدة يسمح له باتخاذ قرار الضربة العسكرية من دون اللجوء للمجلس.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه وهو: ماذا لو لم يوافق الكونغرس الأميركي على هذا القرار؟ أعتقد أنها تكون كارثة! كما قال وزير خارجيته كيري، لأن ذلك له نتائج وخيمة أولا على السمعة الدولية للولايات المتحدة كرائدة للنظام العالمي الجديد وعلى حظوظ حزبه في الانتخابات المقبلة.

ويجب أن لا ننسى أن التهديد الذي قد يشكله نظام الأسد على الدول المجاورة، في حالة إذا لم تقع الضربة العسكرية بعد أن أقرت الإدارة الأميركية أن نظام الأسد يمتلك ترسانة من الأسلحة الكيماوية، وماذا لو جرى تزويد حزب الله بهذه الأسلحة؟. هذا كله يفسر لنا التردد والتصريحات المتناقضة أحيانا التي يدلي بها فريق الإدارة الأميركية فتارة يتحدثون عن ضربة «تأديبية»، وتارة أخرى عن ضربة «فعالة»، إن قوة الحجج التي يطرحها أفراد الإدارة الأميركية لتبرير الضربة العسكرية لا تتناسب ونوعية الضربة العسكرية المقبلين عليها، حيث يصفونها بـ«المحدودة» والمستقبل القريب كفيل بأن يكشف لنا عن كل ما وراء ذلك. وإن غدا لناظره قريب!