فرصة نزع السلاح الكيماوي

TT

لا أعرف إن كان من التهذيب الشماتة في سلاح الممانعة الكيماوي، الذي وقع تحت طائلة الرقابة الدولية وتكبيل يدي بشار الأسد عنه إلى غير رجعة، أم لا. لكن من المؤكد أن ما حصل سيظل عقودا طويلة مثار سخرية ضد جبهة ادعاء الممانعة والصمود.

إن صحت التقارير التي تقول إن نظام الأسد يملك ثالث أكبر ترسانة لهذا النوع من الأسلحة في العالم، فإنه أمر جدير بالتساؤل حول السبب الذي يدفع بنظام متصالح مع العدو التاريخي، أي إسرائيل، ومتهادن معه وحارس لبوابة الجولان، أن يحرص على اقتناء سلاح دمار شامل بهذا الكم الهائل. الأرجح أن سوريا لم تكن سوى مستودع، لتجميع هذا السلاح الذي يمكن تصنيعه وتخزينه بسرية وسهولة أكثر من السلاح النووي، لأهداف تخدم حلفاءها في المنطقة؛ حزب الله اللبناني وإيران.

لنتذكر أن إيران التي تفاوض دوليا على حقها في استخدام الطاقة النووية انكشف أمر مشروع قنبلتها النووية من قبل منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة في عام 2005، ولولا ذلك فلربما ظل العالم غافلا عن عمليات التخصيب التي تدار بسرية تامة فوق وتحت الأرض. ومن حينها وملف المفاوضات في شد وجذب، مما جعل إيران الغنية تعاني من عزلة اقتصادية أضرت بهيكلها الاقتصادي وعلاقاتها التجارية حول العالم، وانعكس بشكل كبير على مستوى معيشة المواطن الإيراني. اليوم يتكرر السيناريو نفسه مع بعض التحوير حينما ارتكب النظام السوري خطأ استراتيجيا باستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين لقمع ثورتهم، فاجتذب الأنظار إلى قضية مثيرة حول خطورة امتلاك الأنظمة الشمولية المارقة على النظام الدولي لأسلحة دمار شامل.

وعلى الرغم من التخبط والارتباك المثير للضحك الذي وقع فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه حول الموقف من السلاح الكيماوي، والأهداف التي سجلها عليه الثعلب الروسي فلاديمير بوتين، فإنها المرة الأولى منذ بداية الثورة السورية التي تجتمع فيه واشنطن وموسكو على موقف موحد لصالح الثورة السورية، وإن بطريق ملتو.

بالنسبة لواشنطن وخطها الأحمر، فمصدر قلقها ليس استخدام السلاح الكيماوي بل وجوده. لو كان باراك أوباما مستاء من أجل الضحايا المدنيين لكانت ثارت حفيظته منذ أكثر من عامين على المجازر التي ترتكب يوميا بحق العزل، فالأطفال الذين ذبحوا وتقطعت أحشاؤهم بسكين شبيحة النظام لا يختلفون عمن ماتوا اختناقا بالكيماوي. لكن أوباما قلق ويشعر بالارتباك من نظام آيل للسقوط، غير متزن وغاضب قد يقوم بعمل أحمق حينما يشعر بأنه يهوي. دول الجوار التي تواجه خطر الكيماوي كما يتردد في المؤتمرات الصحافية للدول الغربية ليست الأردن أو العراق أو لبنان، بل إسرائيل، الأمن القومي الإسرائيلي حرك الغرب الجامد لاتخاذ خطوات جادة ضد نظام الأسد، لأنه يمتلك سلاحا مدمرا. ولكن ما يهم الثوار السوريين أن وجود هذا السلاح على الأرض السورية خطر أيضا على ثورتهم التي دخلها متطفلون من تنظيمات متطرفة موالية لـ«القاعدة»، مما يعني أن سقوط هذا السلاح في أيديهم أمر وارد مع كل هذه الفوضى التي تجري على الأرض، وقد يشكل تهديدا حقيقيا لسوريا ما بعد الأسد.

النظام السوري عرض تسليم سلاحه مقابل تفادي الضربة العسكرية، وهذا يعني أن خياراته تضاءلت، وثقته في حسم المعركة لصالحه تلاشت، وحتى محاولات حزب الله الحثيثة هذه الأيام لتهريب الكيماوي السوري إلى لبنان لن تنجح إن تسارعت الضغوط الدولية على نظام الأسد لكشف ترسانته.

فرصة نزع السلاح الكيماوي هي لصالح الثورة السورية، كما أنها توحد الموقف الدولي ضد النظام السوري، مما يشرع ضمنيا التسليح ضده، وهذا هو الأمر المهم الذي على الدول الحليفة للثورة أن تجتهد في تكثيفه. وإن صح أن نقسم الأدوار في هذه المرحلة فيمكن القول إن الغرب بإمكانه العمل على إنجاح خطة نزع السلاح الكيماوي ويترك لباقي الدول الحليفة مهمة توصيل السلاح للثوار. صحيح أن الضربة العسكرية المنتظرة ستعجل بانهيار النظام، وينظر إليها كدفعة معنوية قوية للثوار ولكل من تعاطف مع أزمة المدنيين القتلى واللاجئين، لكن إن جاز تأخيرها لغرض نزع الكيماوي من يد الأسد فهذا أمر مرض، حتى وإن كان السبب الحقيقي سلامة إسرائيل.