التغيير الطوعي المنهجية الأسلم لتحول ديمقراطي سلمي

TT

منذ نجاح انتفاضة تونس في مطلع يناير (كانون الثاني) 2011 وما تلاها من انتفاضات جماهيرية (مصر 25 يناير (كانون الثاني) 2011 وليبيا 17 فبراير (شباط) 2011 وسوريا في مارس (آذار) 2011) والمنطقة العربية تمر بمرحلة انتقالية معقدة يمتزج بها الفرح بالحزن، إذ إن إسقاط الأنظمة الاستبدادية أثلج صدور الشعوب والقوى السياسية المتطلعة لمستقبل مشرق لكن ما يعكر التفاؤل ويحبط الآمال هو أن التغيير ما زال شكليا بل إنه مرحليا تغيير ضرره أكثر من نفعه إذ إن دول ما يعرف بالربيع العربي انتقلت من الاستبداد السياسي إلى حالات من الفوضى التدميرية وليست فوضى خلاقة، فها هي تونس التي فرحت باقتلاع نظام زين العابدين بن علي، تعاني من الاغتيالات والأزمات السياسية وهجمات تنظيم ديني متشدد يدعى أنصار الشريعة يحكم سيطرته على مرتفعات الشعابني ولا يتورع عن استخدام العنف ضد الفنانين وارتكاب القتل ضد السياسيين. وها هي ليبيا التي دفع شعبها دماء وجراحات مروعة قرابين لحريتهم وابتهجوا بخلاصهم من نظام العقيد معمر القذافي ها هي تلج مرحلة من أعقد وأسوأ مراحل تطورها السياسي، إذ تتحكم الميليشيات المسلحة في مفاصل الدولة وفي مصادرها النفطية ويصارع بعضها بعضا وإذا لم تتمكن السلطة المركزية من كبح جماح الميليشيات والقبائل المتصارعة فإن شبح التشرذم قادم لا محالة، وها هي مصر التي هللت للإطاحة بنظام حسني مبارك تجدد ثورتها على رئيسها المنتخب وتعمل على تصحيح مسار ثورتها بثورة أخرى، أما سوريا فإن دمعها لا يكفكف وجراحاتها لها بالقلوب عمق كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي، إذ إن الانتفاضة السورية تحولت إلى دماء ودموع ودمار وشتات وتهجير وعشرات الآلاف من الضحايا.

على الرغم من هذه المشاهد التي يتقاطع بها الفرح بالحزن والأمل بالإحباط والتفاؤل بالتشاؤم فإننا نعتقد أن موجات المد الجماهيري ينبغي أن يحسب حسابها، وذلك بفضل الإبداع التكنولوجي الذي هو الرائد المحفز للانتفاضات والثورات الشعبية والذي ما زال قابلا للاستعمال في بلدان أخرى. ولأن التغيير مطلوب مهما تأخر حدوثه، ولكي يتجنب اللاحقون معاناة السابقين فإننا نقترح على كثير من الأنظمة وبصرف النظر عن قدراتها وتحالفاتها المحلية والدولية، أن عليها أن تفكر بمستقبل أكثر استقرارا وسلمية وعدالة، وذلك يتطلب التحرر من الطبيعة الإنسانية الشرقية المغرمة بحب التسلط الفردي على سدة الحكم، وإهمال الشعب. لذلك فإن تغيير الحكم لنهجه وأخذ زمام المبادرة لإحداث التغيير المرغوب شعبيا من خلال المشاركة الشعبية بصنع واتخاذ القرار سيحقق الرضا الشعبي واستمرارية نظام الحكم وبناء المؤسسات الدستورية.

هذا التغيير الطوعي هو ما يذكره الكويتيون لأميرهم الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح (1950 - 1965) الذي بادر بعد الاستقلال عام 1961 إلى إشراك شعبه معه ومع خلفائه في الحكم من خلال دستور 11 - 11 - 1962، الذي تضمن قيام نظام حكم مختلط ينحو نحو النظام البرلماني.

رؤية عبد الله السالم الصباح أثبتت مصداقيتها وجدواها إذ على الرغم من الأزمات السياسية ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن أحدا لم يجرؤ على المطالبة بتغيير أو إسقاط نظام الحكم بل إن الكويتيين بمن فيهم المعارضون تمسكوا بشرعية حكمهم وعدم التفريط به أو باستقلال وحرية بلادهم وذلك في أحلك الظروف وهي فترة الاحتلال العراقي للكويت. إن العبور إلى بر الأمان يتطلب أن يتوافق نظام الحكم مع القوى السياسية والاجتماعية على صياغة دستور يضمن التحول الديمقراطي بمباركة ورضا نظام الحكم.

* كاتب وإعلامي كويتي