حسني مبارك.. نحن هنا!

TT

التسجيلات التي يظهر فيها صوت الرئيس المصري المسجون حسني مبارك، ونشرها الإعلام المصري بداية من صحيفة «اليوم السابع»، شكلت إضافة خطيرة للمشهد المصري المحلي والخارجي.

الرجل كأنه يقدم شهادته من عمق التاريخ، كأنه ليس بيننا، ولكنه بيننا، يأكل الطعام ويشرب الماء ولكنه لا يمشي في الأسواق، فصوته يمتد في الآفاق. وهذا كاف.

حسني مبارك مرحلة كبرى من مراحل التاريخ المصري، سواء عبر فترة حكمه المديدة التي ناهزت 30 عاما، أو قبل أن يلي منصب الرئيس من خلال نيابته للراحل أنور السادات، أو من خلال عمله العسكري القيادي.

تناوشته الأقلام، وجرحته الألسن، وهو حي، من «الأستاذ» هيكل، الذي تحدث عن ثروات مبارك المليارية المهربة، وحدد رقما خرافيا، فلما طلب للتحقيق من قبل الجهات المختصة، وطلبت معلوماته، أنكر أنه يملك معلومات خاصة، وقال إن هذا من حصيلة مطالعته للصحف! وقد سخر مبارك بنفسه، في التسجيلات الأخيرة من هذه الواقعة.

كما من دعايات «الإخوان»، أعداء مبارك الطبيعيين، أو من قبل شبان الثورة، وشيوخ المعارضة.

مبارك، في تقديري الشخصي، ليس سيئا بالقدر الذي صوره به خصومه، لكنه ليس جيدا بالقدر الذي يريد أنصاره أيضا.

أخطاؤه تنتمي لنوع الأخطاء البشرية، فهو يبدو قد ضجر من صداع الحكم آخر عهده، وقاد فيها بطريقة لامبالية، من أخطائه أنه كان ينفي أن يكون عازما على توريث ابنه جمال الحكم، أصدقه في هذا، لكنه لم يكن يبدي للعلن سلوكا حازما يرسخ هذه القناعة ويبدد الدعاية المعارضة له التي تعتمد على هذه التهمة، ويكفي شعار حملة «كفاية» أولى حركات المعارضة «الشارعية» الجبهوية، التي كانت تقوم على نداء: «لا للتوريث».

هو قال في خطاب التنحي، إن التاريخ سيحكم بما لنا وما علينا، ويبدو أن التاريخ بدأ جلسات محاكمته بأسرع مما نتوقع، بل كان التاريخ كريما، فعقد جلسته بحضور المتهم وهي حي يدافع عن نفسه، كما في التسجيلات، وهذا ما لم يفعله حضرة القاضي التاريخ من قبل! دعونا من مبارك، لنسأل، لو منحت هذه الفرصة النادرة لشخصيات متهمة في التاريخ بأبشع التهم، أو ممجدة بنياشين المديح، وكان لها فرصة أن تتحدث، وتفند، وتوضح، هل كانت صورة التاريخ التي حفظناها لتكون بهذه السوية؟!

***

الإنسان الجميل، والعقل المبهج، الأستاذ علي سالم، ألم به عارض صحي، قلوبنا ودعواتنا العميقة له أن يعود لنا، في مكانه هنا، بضحكته الصافية، ونظرته الثاقبة للحياة.

من أندر العقول الحكيمة التي عرفتها في حياتي هو عقل علي سالم، ومن أبهى النفوس الجميلة، رغم ظلم ذوي القربى له من رفاق الكلمة.

أقول له، بالاقتباس والتصرف من حكيمنا المتنبي:

ليس إلاك يا «علي» همام - «عقله» دون عرضه مسلول!