الرجل الذي أنكر «الهولوكوست» رحل!

TT

بدأت القصة المثيرة على حساب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على موقع «تويتر» في الخامس من سبتمبر (أيلول) حين كتب تهنئة مقتضبة للغاية بمناسبة حلول العام العبري الجديد قائلا: «رأس سنة سعيدة».

وردت كريستين بيلوسي - ابنة نانسي بيلوسي، النائبة الديمقراطية بالكونغرس عن ولاية كاليفورنيا والرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي - على الرسالة قائلة: «شكرا، سيكون العام الجديد أكثر سعادة لو توقفتم عن إنكار الهولوكوست». وجاء رد ظريف سريعا: «شكرا، إيران لم تنكرها مطلقا. الرجل الذي كان ينكرها قد رحل. عام سعيد جديد».

من الواضح للغاية أن التهنئة التي قدمها ظريف بمناسبة العام العبري الجديد تعد مبادرة جديدة ومهمة للغاية. وكان هناك ثلاثة ردود فعل مهمة على الدبلوماسية التي أظهرها ظريف على «تويتر». وفي الحقيقة، أصبحت دبلوماسية «تويتر» أكثر فاعلية من «دبلوماسية البينغ بونغ» (كرة الطاولة)، التي أدت إلى إذابة الجليد في العلاقات الأميركية - الصينية من خلال تبادل لاعبي كرة الطاولة بين البلدين في مطلع السبعينات من القرن الماضي، والتي مهدت الطريق لزيارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون لبكين. وخلال الأسبوع الذي بدأ في التاسع من يونيو (حزيران) 2008، جرى عقد لقاء «بينغ بونغ» دبلوماسي لمدة ثلاثة أيام في مكتبة ريتشارد نيكسون الرئاسية ومتحف بمدينة يوربا ليندا بولاية كاليفورنيا، وحضره الأعضاء الأصليون في الفريقين الصيني والأميركي لعام 1971.

ولكن «تويتر» مختلف تماما، حيث يمكن من خلاله إجراء مناقشة بين شخصين أو أكثر، ويمكن لكل شخص التعبير عن آرائه وتوضيحها، من دون الحاجة إلى سفارة تقوم بإعداد تقرير أو مترجم لترجمة النص، ولذا فهو يعد أسهل وسيلة لتبادل وجهات النظر والوصول لأي شخص، في ظل ثورة الاتصالات الحقيقية التي يشهدها العالم.

وفي حوار له مع موقع إخباري عقب تلك الرسالة، أصر ظريف على موقفه، لكنه فرّق بين اليهودية والصهيونية. وأكد ظريف أنه بعث برسالة التهنئة ببداية العام العبري الجديد وعلق على رأيه في الهولوكوست. ونشر ظريف أجزاء من تلك المقابلة (باللغة الفارسية) على صفحته على موقع «فيس بوك»، والتي حصلت على أكثر من 11.000 إعجاب من المتابعين.

ونقل عن وزير الخارجية الإيراني قوله: «لم نكن يوما ما ضد اليهود، ولكننا ضد الصهاينة الذين يشكلون أقلية. نحن ندين قتل اليهود على أيدي النازيين، كما ندين قتل الفلسطينيين وقمعهم على أيدي الصهاينة».

ولا يزال إرث الرئيس السابق أحمدي نجاد يلقي بظلاله على إدارة روحاني، وكل يوم تتكشف أخبار جديدة عن ذلك الإرث، لعل أشهرها إنكاره للهولوكوست، وهو ما يجعل رسائل التهنئة من قبل الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني ووزير خارجيته لليهود بمناسبة بداية العام العبري الجديد أمرا جيدا يظهر مراعاة لحقوق الآخرين ومشاعرهم. والآن، نحن نواجه ثلاثة ردود فعل مختلفة:

1 - من صحيفة «كيهان» الحكومية في إيران، والتي يُعين رئيس تحريرها من قبل آية الله خامنئي، والتي تعد أكثر الصحف تطرفا في إيران، حيث شنت افتتاحيتها في الثامن من سبتمبر 2013 هجوما حادا على ظريف وبيلوسي. وقد عنونت الصحيفة افتتاحيتها بـ«الرجل الذي رحل، ولكن..؟» وركز كاتب المقال، حسين شارياتماداري، على خمس نقاط؛ أولا، كانت رسالة ظريف غريبة وغير متوقعة. ثانيا، لم تكن الرسالة مؤدبة، حيث أشار ظريف لأحمدي نجاد بأنه «الرجل الذي رحل». ثالثا، لا تزال الهولوكوست خرافة، وما قاله أحمدي نجاد هو بالفعل نظرية مهمة وموجودة. رابعا، عندما كان ظريف يتحدث في البرلمان عن برنامجه كوزير للخارجية كان يتبنى وجهة نظر الإمام الخميني وآية الله خامنئي، ولكنه الآن يتحدث عن فكرة مختلفة. خامسا، تؤمن «كيهان» بوجود محرقة حقيقية، ولكن من تدبير اليهود وتخطيطهم.

وقامت عدة مواقع متطرفة بإعادة نشر مقال «كيهان» وانتقدت ظريف بسبب الرسالة.

2 - المتطرفون في إيران لهم وجه آخر في إسرائيل، ووجه ثالث في أميركا. والشيء الغريب أن رسالة ظريف قد تعرضت لانتقادات داخل إسرائيل نفسها، حيث رفض كبير المتطرفين الإسرائيليين بنيامين نتنياهو رسالة ظريف، وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية: «لا ينبغي أن ينخدع العالم برسالة التهنئة بالعام العبري الجديد، ويتعين عليه بدلا من ذلك أن يركز على سعي إيران المستمر لامتلاك أسلحة نووية. وكان هذا تحذيرا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في السابع من سبتمبر كرد على رسالة التهنئة من ألد أعداء إسرائيل. وقال نتنياهو (لا أحترم رسالة تهنئة من نظام هدد الأسبوع الماضي بتدمير دولة إسرائيل)».

إنه لأمر غريب أن تُرفض رسالة التهنئة! ويعني هذا أن أحمدي نجاد كان شخصا محبوبا لإسرائيل، وكان يجري الترحيب به من قبل مسؤولين سابقين في جهاز الموساد الإسرائيلي. والأمر الغريب هو أن معظم الإسرائيليين يفضلون المتطرفين في إيران، وخير دليل على ذلك أنهم كانوا يدعمون أحمدي نجاد على حساب مير حسين موسوي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009! وقال أفرايم أنبار مدير مركز بيغن - السادات للدراسات بجامعة بار إيلان: «وجود أحمدي نجاد يعني أننا نعرف أين نقف بالضبط، أما موسوي فهو ثعبان في صورة جميلة». ويرى المتطرفون في إسرائيل أن روحاني وظريف أشد خطرا على إسرائيل من أحمدي نجاد.

3 - أعتقد أن الذين يستمعون لصوت الحكمة والسلام في إيران، وفي أي مكان في العالم، يرحبون برسالة ظريف. ويتعين علينا أن ندرك أننا جميعا نعيش على كوكب واحد، بما في ذلك المسلمون والمسيحيون واليهود والهندوس والبوذيون والعلمانيون، ولذا يتعين علينا أن نحترم بعضنا بعضا ونرسل لبعضنا رسائل التهنئة في المناسبات، وهو ما سيجعل العالم مكانا أفضل بكل تأكيد.