معانٍ من سيدني

TT

منذ امس تحوّلت انظار مئات الملايين من البشر نحو مدينة سيدني الاسترالية التي تستضيف اولمبياد عام 2000. وكحال الاولمبيادات الحديثة جاء حفل الافتتاح «ماراثون» الوان وصخب ورموز. ووسط اللوحات الايقاعية لرجال ونسوة وفتية من «الابوريجينيين»، اي سكان استراليا الاصليين، كان ملاحظاً ان استراليا حريصة على تسجيل موقف ما في مطلع الالفية الثالثة، بل مصرة، على توضيح جانب من هويتها كتمته عن نفسها وعن الآخرين على امتداد عقود طويلة.

اساساً كانت ستكون مفارقة ضخمة لو لم يظهر «الأبوريجينيون» فوق ارضهم، وبهويتهم كاملة غير منقوصة، في احتفال بحجم اول اولمبياد في الالفية. مفارقة ضخمة حقاً، خاصة ان ما وعد به العالم على عتباتها مزيد من احترام حقوق الانسان، ومزيد من التفاهم والتعايش واحترام الاختلاف بين الحضارات، ووحدة هذه الحضارات بالذات عبر تنوعها واختلافها.

كم كان بديعاً منظر الاعلام الملونة الخفاقة والسحنات المتميزة في موكب العرض الكبير في مجمع سيدني الاولمبي. فهل كان جائزاً والحالة هذه، ان يغمط حق اصحاب الارض الاصليين، الذين يزيد تعدادهم على عدد سكان بعض الدول المشاركة؟

لقد غط سكان استراليا الاصليون في سبات عميق منذ فتح جيمس كوك وآبل تاسمان قارة اوقيانيا امام المستوطنين الاوروبيين، وحصل معهم ما حصل لاخوانهم في شمال اميركا وجنوبها، إذ جرى تهميش تاريخهم ونُظر بازدراء الى ثقافتهم، وحكم بعض غلاة العنصريين «بالإعدام» على مستوى ذكائهم، وبالتالي استحقاقهم للعيش مواطنين مع اخوانهم البيض تحت سقف المساواة في المواطنية.

غير ان الامور أخذت تميل نحو التغير قبل بضعة عقود، لا سيما ان استراليا هي في المقام الاول بوتقة انصهار «مهاجرين». واخذ كثيرون من «الابوريجينيين» يتعلمون ويبرزون في مجالات عدة من مجالات الحياة العامة. وعلى الصعيد الرياضي حققت لهم فتحاً عظيماً «ابنتهم» بطلة كرة المضرب العالمية ايفون جولاجونج، التي انتزعت بطولة ويمبلدون عام 1971 وبلغت نهائي البطولة الاميركية المفتوحة اربع سنوات متتالية خلال السبعينات.

وخلال السنوات الاخيرة ومع تصاعد الحملة الداعية الى اعلان الجمهورية في استراليا، والى تغيير العلم الوطني الحالي الذي يسوده العلم البريطاني، بعد النجاح في تغيير النشيد، حقق «الأبوريجينيون» اختراقات سياسية وقانونية واقتصادية في وجه التيار المحافظ. وتؤكد اخبار الاولمبياد انه في حال نجحت العداءة «الابوريجينية» كاثي فريمان ـ التي اوليت شرف إيقاد الشعلة الاولمبية في المجمع ـ في انتزاع الميدالية سيسمح لها برفع العلم الابوريجيني ذي اللونين الاحمر والاسود في قلب المجمع.

لقد تغير العالم، وقصرت المسافات، وما عاد لأحد الحق بمصادرة هويات الآخرين. فعالم اليوم يتسع للجميع في ظل السلام والعدالة والتفاهم. واي رمز ابلغ لتجاوز العنصرية والتفرقة من الدوائر الاولمبية الخمس، التي لكل منها لونها، وكل منها ترمز الى قارة والى حضارة؟