من «ظرافات» الفتاوى

TT

الظاهر أن كثيرا من القوم أخذوا يعتمدون في عيشهم وإعاشة أسرتهم على إصدار الفتاوى. والظاهر أيضا أن بعضهم امتلك حقا موهبة جيدة في الظرف والطرافة. هكذا أصبحنا نسمع عن شتى الفتاوى العجيبة. منها المر ومنها الحلو. فكان أن اضطر المسؤولون في السعودية إلى حصر مهمة الإفتاء بدار الإفتاء ليقوم بها فقهاء عقلانيون متخصصون يشعرون بأهمية المسؤولية.

ولكن ظل البعض في ديار الإسلام يخوضون في هذا البحر من الفتاوى المرة والحلوة. كان منها ما أثار ضجة في العراق بقيام أحد «علماء» الدين بإصدار فتوى بسفك دم أي شيوعي وأي علماني. ويظهر أن هذا الشخص وجد أن كل هذه «القتولات» الجارية يوميا في العراق غير كافية فسعى إلى توسيع نطاقها. فالحزب الشيوعي العراقي يتكون من ألوف الأعضاء والأنصار. والعلمانيون هناك يشكلون كامل طقم النخبة المتعلمة التي أعطت هذا البلد نكهته من الوعي والعصرنة والتفكير الحر. يسعون الآن إلى مقاضاة هذا المفتي لقيامه بتحريض الجمهور على القتل.

هذه واحدة من الفتاوى المرة. لكن في مصر، بلد الفكاهة والظرف، أصدر أحدهم قبل سنوات فتوى بتحريم بيع وشراء الخيار والكوسة. فتوى ظريفة ولكنها تحولت إلى فتوى مرة عندما هب الإخوانيون والسلفيون لمنع شرائها وهجموا على صغار باعة الخضراوات المساكين وسحقوا بأرجلهم ما كانوا يبيعونه.

وأصدر شيخ آخر من حلب فتوى حلوة أخرى بتحريم صنع كعكة الكرواسان وبيعها وأكلها. الكرواسان تعني بالفرنسية «الهلال». قال الشيخ إنه رمز الإسلام. وابتكر الفرنسيون صنع كعكة على هذا الشكل ليشعروا بأنهم يسيئون لرمز الإسلام بأكله ومضغه بأسنانهم. وعليه فحرام على المسلمين في حلب وخارج حلب أن يأكلوا هذه الكعكة. لم أسمع بعد ما إذا كان الإخوانيون قد هجموا ودمروا المخابز التي تصنع الكرواسان وقتلوا من يخبزها.

ماذا إذا ابتكر أحد الخبازين كعكة بشكل الدولار؟ هل سيجري تحريمها؟!

ومن الفتاوى الحلوة التي سمعتها مؤخرا فتوى من «عالم» دين في بنغلاديش. تجيب الفتوى عن هذا السؤال الذي يخطر في ذهن سائر المسلمين. لماذا ينعم غير المسلمين بهذا العيش الرغيد والثروة والأمن ويعيش المسلمون في معظم الدول الإسلامية في فقر وحرمان ومجاعات واضطرابات، يقتلون بعضهم بعضا؟

أرجع الشيخ هذه الظاهرة لعمل الشيطان. قال: إن مهمته على الأرض أن يلقي ببني آدم في النار ويحرمهم من الجنة. ولما كان مصير غير المسلمين في النار على أي حال فلماذا يضيع وقته معهم؟ فتركهم يعيشون سعداء. فعل ذلك ليركز جهوده على المسلمين بإيقاعهم في المشاكل والمآسي ليجعلهم يكفرون بالله وبالتالي يقعون في نار جهنم.

هكذا يلوح لهذا الشيخ أن كل ما نفعله ليس بإرادة الله عز وجل ولا بإرادتنا وإنما بإرادة الشيطان لعنه الله! جمع أحد الأدباء هذه الفتاوى الظريفة في كتاب ولكنني لم أسمع بعد أي فتوى بتكفيره.