فقدان رجل كبير

TT

فقدنا أحد اعلامنا الكبار، حمد الجاسر، ذلك الرجل الذي أرّخ لتاريخنا ولحياتنا وحاول ان ينشر التنوير، وكان نموذجاً للانسان البسيط الذي تحدى ثقافة جحود القرية، وانتشار الجهل والأمية وكسر قاعدة الجحود.

كان يكتب عن تاريخنا ولغتنا ويحاول ان ينشر النور، لذلك يصعب علينا ان نكتب عنه، وان فعلنا يصعب علينا اعطاءه شيئاً من حق كبير يستحقه.

وفاة حمد الجاسر تثير اسئلة كبيرة حول جيل حفر في الصخر وفي ظروف قاهرة، وفي بيئة ثقافية منعزلة، وتثير اسئلة حول امكانية تعويض هؤلاء الاعلام، فكلما فقدنا شاعراً عظيماً، لم نجد من يمكن ان يملأ مكانته الشعرية، واذا فقدنا اكاديمياً بارزاً تلفتنا يمنة ويسرة متحسرين على احوالنا.

وفاة حمد الجاسر تثير اسئلة الاحترام التي تمارسها الامم لمثقفيها وقادتها ومبدعيها. فلقد اصبحت العادة العربية المحزنة انه كلما فقدنا عظيماً تذكرنا عظمته، ولكننا لا نعطي هذا العظيم ما يستحقه وهو حي يرزق، وان كان حمد الجاسر قد شهد بعضاً من التكريم وكثيرا من الاحترام في حياته من دولته ومن دول مجلس التعاون، فان المسؤولية تقع على المثقفين والمتنورين بالاحتفاء بالمبدعين في حياتنا اثناء حياتهم، فكم من شخصية كبيرة عاشت في الظل، ولم نتذكرها الا بعد ان نفقدها، وكم من رجال ونساء خدموا امتهم ودافعوا عنها، واثروا حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية وهم يعيشون الآن بيننا منعزلين لا نسمع عنهم شيئاً ولا نتذكر اعطاءهم شيئاً مما يستحقونه.

ان الأمة التي تتنكر لمبدعيها ولرجالها الذين خدموها، هي امة لا علاقة لها بالحياة، وان امة يمرض مبدعوها فلا يجدوا من يسأل عنهم، وليس لديهم ما يكفيهم حتى لشراء دواء هي امة لا بد لها من ان تراجع دفاترها، وتبحث في ازمتها المزمنة.

كلنا نعرف شخصيات عربية تعيش بيننا الآن، خدمتنا وضحت من اجلنا ولكنها تعيش العزلة، بعضهم مات فقيراً ومريضاً، ولم نتذكرهم الا بعد ان نفقدهم، ونكتفي بخبر في جريدة عن وفاتهم.

رحمك الله يا حمد الجاسر، لقد كنت رائـداً ومقاتلاً من اجل ان يدخل مزيد من النور في حياتنا. فلك الدعاء بالرحمة ولنا تقبل العزاء.