سوريا.. خطر تهميش الأطراف الإقليمية!

TT

من يتابع التفاصيل وردود الأفعال المتبادلة بعد الاتفاق الروسي الأميركي يخال أن الأزمة السورية تتجه نحو التسوية السياسية، لكن الأمر ليس كذلك فغاية ما استطاع الروس فعله هو كسب المزيد من الوقت والدخول في متاهة دبلوماسية وإعلامية لمنع توجيه ضربة إلى النظام الأسدي، وهي رغبة كامنة في الاستراتيجية الأميركية بسبب فوبيا حرب العراق إضافة إلى رغبة ملحة في إنهاك طرفي النزاع السوري كما يتم تصويره في الخطاب الإعلامي الأميركي بحيث أيا يكن الغالب فمن السهل ضمانة عدم تشكيله أي تهديد على أمن إسرائيل.

من جهة ثانية لا تبدو روسيا في حالة تفاوضية جيدة لولا الهشاشة الأميركية في أزمة سوريا، رغم كل الحبر المسال من قبل إعلاميين ومحللين على استعادتها لمكانتها السياسية عبر أهم وآخر حلفائها، فتضخيم دور وموقع سوريا في نظر روسيا ضرب من أوهام قراءة الجيوسياسية للمنطقة فالقواعد الروسية في المرافئ السورية لا تملك أي أهمية وربما لم يسمع بها أحد من قبل كما أن روسيا التي لم تصمد في حماية القوقاز ودول كانت تحت سيادتها الجغرافية لن تملك سوى الضغط السياسي ومحاولة الخروج بصفقة كبيرة في حال تم إطاحة النظام الأسدي.

الإشكالية الحقيقية التي أفرزها التعاون الأميركي الروسي بشأن ملف سوريا هي محاولة إخراج الأطراف الإقليمية من المعادلة السياسية وبطريقة مستفزة مع أن الحراك الحقيقي مع بداية الأزمة السورية كان حراكا عربيا كما أن تصدير الأزمة السورية كان بسبب الموقف التاريخي للمملكة ودول الاعتدال العربي، كما أن إيجاد أي مخرج سياسي للأزمة لن يكتب له النجاح في حال تم تجاهل الأطراف الإقليمية.

مفردات المبادرة الروسية رغم انحيازها ضد الشعب السوري المضطهد من نظام الأسد الدموي مبادرة ذكية من حيث توقيتها السياسي الذي استهدف تردد وارتباك موقف أوباما المثقف الحقوقي الذي أخطأ طريق السياسة، حيث قدمت ضمانة أمن إسرائيل من خلال السيطرة على أسلحة الردع التي يملكها النظام وهي نتيجة محسومة سلفا إذا ما علمنا أن سوريا لم تكن لتهدد أمن إسرائيل سابقا أو لاحقا إلا ضمن إطار حرب الشعارات الكلامية، كما أن نزع السلاح سيأخذ مدى زمنيا طويلا (ألف طن موزعة على 40 منشأة) وبالتالي يعطي الأسد المزيد من الوقت لتدمير الشعب السوري.

والحال أن دول الاعتدال الآن بحاجة إلى استراتيجية دبلوماسية جديدة لا تتماهى مع الطرح الأميركي الروسي الذي يحول القضية إلى نزع أسلحة الردع، لأنه خطأ سياسي وأخلاقي أيضا، فمشكلة نظام الأسد ليست في امتلاكه هذه الأسلحة فقط التي يقال إنها تهدد أمن إسرائيل، وإنما الأزمة الحقيقية تكمن في قتله أكثر من مائة ألف مواطن بدم بارد (من دون سلاح كيماوي) وبما يتجاوز كل أعراف وقوانين حقوق الإنسان.

وإذا كانت مصلحة الولايات المتحدة وحليفتها الكبرى في المنطقة نزع سلاح الردع الكيماوي؛ فإن مصلحة الأطراف العربية هي حماية الشعب السوري من نظام الأسد وآلة بطشه التي لا علاقة لها بالأسلحة الكيماوية.

في نهاية المطاف مهما حاولت الأطراف الدولية إبقاء شرعية الأسد في صفقة نزعه للأسلحة الكيماوية فإن ذلك لا يمكن أن يقبل به الشعب السوري أو حتى الأطراف الإقليمية، كما أن نزع تلك الأسلحة لا يعني نهاية الحلف الأسدي مع إيران وحلفائها في المنطقة وبالتالي سيظل أمر سوريا مرهونا بالتوازنات الإقليمية، ولذا فالتدخل الأميركي والروسي قد يساهم في إنهاء نظام الأسد ولكن ليس في حل الأزمة السورية مع بقائه.

[email protected]