يا تاكسي السنام

TT

إذا كنت مراسلا في أفريقيا لن تفتقر إلى الأحداث. كل فترة هناك نقيب يقفز على السلطة بالثياب المرقطة معلنا أنه قادم للإصلاح والقضاء على الفساد. وإذا كنت تفضل الكتابة على المظاهر المثيرة فهناك أكثر: هناك عربات التاكسي في النيجر، وهي من نوعين، إما سيارات قديمة الغبار على الطرقات التي لم تعرف الإسفلت بعد، وإما جمال تحمل الراكب ومتاعه على سنامها. تاكسي الرواحل والدواب، وليس «تاكسي الغرام»، كما غنى في أيامنا عبد العزيز محمود، وهو يهف مستعجلا إلى اللقاء مع حبيبته.

هذه أفريقيا، يا لها من تجربة إنسانية صعبة ومن تجربة صحافية لا حدود لثرائها وألوانها. المؤسف أن الصحافي الموريتاني عبد الله ولد محمدي يمر سريعا على تجربته التلفزيونية في القارة. الكتابة أكثر تمهلا من الكاميرا. ومع ذلك هناك بحر من اللقطات السريعة التي تصور لك في أي حال هي أفريقيا من هذا العالم. بعد مقتل الرئيس فاينا صارا في النيجر يسأل ولد محمدي رئيس الحزب الحاكم عن نتائج التحقيق. يجيب حامد الغابد: «إننا في مثل هذه الأحوال نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. وماذا عسانا أن نفعل؟».

في كوناكري، عاصمة غينيا، يشعر المراسل بارتياح عندما يعرف أن ثمة فندقا يديره موريتانيون. سوف يكون من السهل العثور على غرفة نظيفة وحمامها. آسفون. بعد الانقلاب امتلأ الفندق بكبار الموظفين والوزراء. ازدحمت الغرفة الواحدة بعدد كبير منهم. ولما لم يعد هناك أي فسحة نام عدد من الوزراء على الشجر: هل تريد إجراء مقابلة مع أحد منهم؟

«أبي فوق الشجرة» إذا كان وزيرا مقلوبا في غينيا. إذا كان ضابطا سابقا برتبة نقيب وما دون، فإنه في منزله على السجاد الإيراني، سجادة فوق سجادة: قم. تبريز. أصفهان. أليست هناك قطع من شيراز؟ أجل. لكنها لا تزال في صناديقها.

في الخارج، المجاري مفتوحة. هذا مشهد رأيته (وتشممته) في جاكرتا سوهارتو. أول ما فعلته الدولة بعد سقوطه، إغلاق نهر الجراثيم. في أفريقيا لا تزال مثل هذه الأنهر مفتوحة مثل أبواب الجحيم. أو هي وأبواب الجحيم معا. ثمة دوام كامل في دورة كاملة للجحيم في أفريقيا التي لا تزال ساحات عواصمها رملية. ويذهل عبد الله ولد محمدي وهو يحلق فوق كوناكري بمشاهد الثروة الطبيعية والبحيرات والغابات. لكن تحت، في العاصمة، يحكم النقباء. مجلس عسكري جميع أعضائه دون الثلاثين. إنها مجموعات «الضباط الأحرار» التي توالت على قتل القارة ونهبها وترك مجاريها مفتوحة، خصوصا المؤدية إلى المطار. المراسل مخلوق شجاع وله قدرة على التحمل، وليس مثل النقباء الذين رأى عبد الله بعضهم يهرب وبعضهم ينفجر بالبكاء. والحمد لله لهؤلاء. البعض الثالث يبقى ليقتل.