الشريك المفقود

TT

آمل بكل صدق أن يرغب فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي (وزميلي حاليا في كتابة مقالات الرأي)، في لعب دور صانع السلام في سوريا. أشك في نواياه، مثلما كتبت الأسبوع الماضي، وازداد شكي عندما بدأ بوتين يفرض شروطا مسبقة لتسليم الغاز السام الخاص بسوريا، بدءا بتعهد أميركي بعدم دعم الدبلوماسية مع التهديد باستخدام القوة. أتمنى أن يكون قد جانبني الصواب. لكن إذا ما كانت الولايات المتحدة تؤمن بحق بحل دبلوماسي لحرب أهلية في سوريا - بعيدا عن هدف نزع السلاح الكيماوي – فإنها تحتاج لسحب المزيد من المقاعد إلى طاولة المفاوضات. يتمثل اللاعب المفقود الذي لا غنى عنه في إيران.

تزود روسيا الرئيس السوري بشار الأسد بالأسلحة والغطاء السياسي، بما في ذلك حق الاعتراض على قرارات مجلس الأمن. غير أن إيران، بشكل مباشر وعبر رعايتها لمقاتلي حزب الله، منحت الأسد ميزته في ساحة المعركة.

تنظر روسيا إلى سوريا بوصفها بيدقا في لعبة جيوسياسية كموطئ قدم في المنطقة، لدرء الجهاديين الذين يحتمل خلاف ذلك أن يمثلوا تهديدا بالنسبة لروسيا، وهي فرصة لتقليص حجم واشنطن. أما بالنسبة لإيران، فتعتبر المخاطر جسيمة: سوريا هي قطب المقاومة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة.

منذ انتخاب رئيس إيراني جديد وأقل ميلا للمواجهة، وهو حسن روحاني، واختياره لوزير خارجية يبدو معقدا وبراغماتيا، هو محمد جواد ظريف، عجت الصحف المتخصصة في الشؤون الخارجية ومراكز البحث بالحديث عن فرصة جديدة. ثمة توقع محتدم أن يملك روحاني تفويضا بإبرام اتفاق يقيد برنامج إيران النووي، بهدف البعد بدولته عن العقوبات الاقتصادية المؤلمة وتقليص خطر هجوم أميركي أو إسرائيلي دفاعي يستهدف مواقع إيران النووية. تعتبر رحلة روحاني إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر بمثابة فرصة مثالية لإظهار حسن النية. غير أن ثمة إشارة بسيطة ملحوظة مفادها أن البيت الأبيض أو وزارة الخارجية تنظر إلى هذا بوصفه مرتبطا بسوريا. ننزع إلى التعامل مع إيران كبرنامج نووي شرس ملحق به دولة، لا كقوة إقليمية يمكننا التعاون معها في القيام بتعاملات مفيدة. ليست لديّ أي أوهام بشأن النظام الإيراني. كنت هناك لأجل الانتخابات محل النزاع في عام 2009. شاهدت القمع الوحشي للمظاهرات في طهران. لديّ ثقة محدودة في أن التخصيب النووي في إيران يجري لأغراض مدنية بحتة (على الرغم من أنني على قناعة بأن محاولة القضاء على البرنامج النووي ستأتي بتأثير عكسي).

ولا أخدع نفسي بقولي إن انتخاب رئيس إيراني أكثر ودا من سلفه يعني أن صاحب السلطة المطلقة، آية الله علي خامنئي، قد أصبح لينا. نادرا ما تكون السياسات الإيرانية بسيطة كفهمنا لها.

لم تحظ إيران بوجود بناء على وجه التحديد في دول جوارها. يقارن راي تاكيه، وهو خبير إيراني بمجلس العلاقات الخارجية، إيران بشخص يشعل النيران في المباني، ثم يظهر لتقديم خدماته كرجل إطفاء. سوريا هي حليف إيران الدائم الوحيد في المنطقة، وهي الممر البري لإعادة إمداد حزب الله بالدعم وحصنه ضد المتطرفين من السنة، الذين يشكلون فصيلا متناميا من الثوار المعارضين للأسد. ويتداخل الغرض الأخير فقط مع المصالح الأميركية.

من ثم، فمع وجود إيران على طاولة سوريا، لا يوجد ضمان على أن الدبلوماسية ستجدي نفعا. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من دون وجود إيران على الطاولة، يزداد احتمال الفشل، خاصة إذا كنا نأمل أن نتخطى حدود موضوع الأسلحة الكيماوية ونوقف المذبحة «التقليدية» التي تحصد ألف إنسان أسبوعيا. يقول كريم سجادبور، من مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، إن أوجه اختلافنا مع إيران بشأن سوريا ربما تكون غير قابلة للمساومة، لكنه يشير بقوله «لا نعلم بحق ما إذا كان بإمكان إيران أن تلعب دورا أكثر إيجابية في سوريا أم لا ما لم نحاول». إذن، ما الذي يمنعنا؟ ثمة أسباب عديدة يحتمل معها أن يرفض أوباما تضمين إيران في المحادثات بشأن سوريا، مع أنه بدأ فترته الرئاسية الجديدة بالحديث عن الحوار والبدايات الجديدة. أحدها هو الخمول. لطالما كان هناك جدال بين المراقبين لإيران بين هؤلاء الذين يحثون على تركيز أحادي على انتهاكات إيران الفاضحة لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وهؤلاء الذين يشيرون إلى أن قائمة مناقشات أوسع نطاقا ربما تبني قدرا من الثقة وتساعد في إنهاء الأزمة النووية. تلتزم السياسة الأميركية بشدة بالرأي الأول: مراقبة القنابل النووية. والثمن الذي ندفعه نظير هذا التركيز المحدود هو أن أميركا وإيران لا تتحدثان بعضهما لبعض عن مجموعة من القضايا التي لإيران تأثير فيها، بما فيها أفغانستان والعراق والإرهاب، إضافة إلى سوريا. وقد عنى هذا فرصا ضائعة في الماضي، لا سيما في الأسابيع التي تلت هجوم الولايات المتحدة على أفغانستان في عام 2001. إن هناك عدوا مشتركا لواشنطن وطهران يتمثل في حركة طالبان. غير أنه حدث نوع من التعاون بينهما حينما قرر الرئيس جورج بوش تضمين إيران في «محور الشر».

ربما يكون من السذاجة الاعتقاد بأن التواصل مع إيران في هذه الأزمة المباشرة سيشكل خطوة نحو إقامة علاقة ودية. لكنه ربما يمثل، على الأقل، خطوة بعيدا عن حافة الهاوية.

* خدمة «نيويورك تايمز»