وداعا مايسترو الدبلوماسية المصرية

TT

رحل عن عالمنا يوم السبت الماضي رجل الدبلوماسية المصرية وفارسها النبيل أسامة الباز. والكتابة عن هذا الرجل ليست فقط لنعيه، وإنما لتقديم نموذج فريد من رجال السلك الدبلوماسي الذين يعرفون دائما بذوي الياقات البيضاء؛ أو بمن يسكنون الأبراج العاجية.

وعلى العكس من ذلك، كان أسامة الباز منذ اليوم الأول لالتحاقه بالعمل الدبلوماسي وحتى ترك منصبه كمستشار سياسي للرئيس السابق حسني مبارك أقرب ما يكون إلى الناس بمختلف طوائفهم؛ يستعمل المواصلات العامة مع المواطنين، ويقف في أي طابور تجده في مصر، سواء للحصول على تذكرة مترو أو لدخول حفل بالأوبرا أو لشراء بعض الفطائر وهو في طريقه لمكتبه بمبنى وزارة الخارجية القديم المطل على ميدان التحرير؛ لم يره المصريون يوما يرافقه حارس لحمايته ولم نعرف يوما من يعاديه - رحمه الله.

كانت معرفتي به من خلال أخيه وصديقي العزيز - عالم الفضاء المصري فاروق الباز؛ وتوطدت علاقتنا بعد سلسلة من المقابلات لأخذ الرأي في المشكلات الأثرية التي كانت حديث الرأي العام في وقتها مثل مشكلة ترميم قلعة صلاح الدين الأيوبي ومنشآت محمد علي وغيرها.

وفي يوم ما زلت أذكره وقد جمعنا لقاء مع بعض المثقفين ورجال السياسة، فوجئت به يعلق على سلسلة المحاضرات التي ألقيها بالخارج قائلا إنها خير سفير مجاني لمصر؛ واستدرك قائلا إن الدبلوماسية المصرية لا تزال إلى يومنا هذا تستمد قوتها من تاريخ وحضارة مصر القديمة باعتبار أنها أقدم دبلوماسية على الأرض، يتعدى عمرها أكثر من 3500 سنة وهو تاريخ أول سفير مصري موفد للخارج في عصر الدولة الحديثة.

لعب أسامة الباز دورا بارزا في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وكان هو مهندس العلاقات المصرية العربية، وإليه يعود جزء من الفضل في عودة علاقات مصر بأشقائها العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.

وكان له الدور الأكبر في الانتقال الهادئ للسلطة في مصر بعد اغتيال الرئيس أنور السادات ومحاولة من يسمون أنفسهم تيار الإسلام السياسي الاستيلاء على السلطة. لقد فقدنا هامة مصرية كبيرة ولا نعزيه على الله، ولكن يسوؤني أن أجد بعض من كنت أحترمهم من كتاب ومثقفين ينقلبون على تاريخ أسامة الباز، محاولين تشويهه بدعوى أنه كان مستشارا للرئيس السابق مبارك؛ ناكرين على كل من كتب ينعى أسامة الباز إسهابهم في ذكر فضائل الرجل؛ الذي ما من شك في أنه - رحمه الله - قد أتى إلى الدنيا وخرج منها وقد أحسن فيها. رحم الله أسامة الباز.. مايسترو الدبلوماسية المصرية.