أوباما العربي

TT

إنني من المؤمنين بأثر الجينات (المورثات) على سلوكنا، رغم اعترافي في نفس الوقت بأهمية المحيط والظروف المحيطة بنا. سلوكنا هو حصيلة تفاعل الطرفين.

لقد حير الرئيس باراك أوباما المراقبين والمعلقين بسلوكه ومواقفه. كنا جميعا ننتظر الخير من توليه رئاسة هذه القوة الضاربة. حاول السعي لحل المشكلة التي استعصت على سائر زعماء العالم، مشكلة فلسطين. كلف السيناتور ميتشل تولي أمرها، ولكنه ما إن وطئ أرض إسرائيل بقدميه حتى بادرت حكومتها بإهانته وإهماله، بما أدى في الأخير إلى تقديم استقالته من هذه المهمة. لا شك أنه فعل ذلك بعد أن يئس من الحصول على دعم الرئيس الأميركي له. ويئس أوباما من المحاولة بعد أن عاتبه وحذره اللوبي الصهيوني في اجتماع معه. أغلقت تل أبيب الموضوع وتركت أوباما يتمرغ في فشله.

من الواضح أنه كان يخشى على مصيره في الانتخابات الرئاسية التالية، ولكنها جرت بسلام وفاز بها بقوة. دخل الدورة الثانية وليس بعدها دورة ثالثة ليقلق عليها. بات من المتوقع منطقيا أن ينفذ الآن ما عجز عليه في الدورة الأولى. ولكنه ظل يواصل خط الفشل في الموضوع ويرتعد ذعرا من اللوبي الصهيوني. وخلال ذلك أبدى خوفا وترددا حيال شتى المواضيع الحساسة التي تعهد بحسمها ولم يحسمها، كالدور الأميركي في أفغانستان.

تمادى في هذا السلوك المتردد بما أوحى لي بوصفه بهاملت الأميركي. فقد نسج شكسبير شخصية هاملت الدنماركي في إطار الشخصية المترددة التي يودي بها ترددها في الأخير في مطب المأساة. وهو ما حصل في سوريا للرئيس أوباما. راح يشجع الثوار على الصمود ورفض عروض بشار الأسد. وبدورهم راح الثوار والرأي العام العالمي يتوقعان منه تطبيق خريطة طريق ليبيا. ولكنه لم يفعل وظل يتردد حتى صعب عليه التدخل كليا. وأخيرا تكلم عن الخط الأحمر الذي سترد عليه أميركا بقوة إذا تجاوزه الأسد. وحصل هذا التجاوز واستعملت دمشق الكيماوي. نظرنا، فإذا بالرئيس الأميركي تنتابه نوبة أخرى من التردد. فلم يتمالك حتى المعلقون الغربيون بوصفه بالرئيس هاملت.

ولكنني عدلت أخيرا عن هذا الوصف. أجدر به أن يوصف بالرئيس العربي. حداني إلى ذلك إيماني بالجينات، كما أشرت سالفا. فالسيد باراك يتحدر من أسرة كينية مسلمة. وكينيا أرض طالما ارتادها واستوطنها أسلافنا العرب تاريخيا. فلا أعجب أن أجد أن شيئا من الدم العربي يجري فيه ويبعث فيه هذه الميزة، ميزة «يقولون ما لا يفعلون»! فهذا هو العيب الرئيس في رئاسته. فلو أنه لم يقل ولم يعد، لما انتقده أحد، بل لشكروه وأثنوا عليه وعلى حكمته في عدم زج بلاده في لخبطات العالم العربي. عيبه أن يقول ويهدد ثم يتردد، وأخيرا يتراجع.