«جنيف - 2» مكافأة على مذبحة الغوطتين؟!

TT

يحاول الروس انتشال بشار الأسد من مستنقع جريمة الكيماوي رغم أن تقرير بعثة مفتشي الأمم المتحدة قطع الشك باليقين، عندما أكد أن ما حصل في الغوطتين، هو سقوط صواريخ أرض - أرض تحمل 350 لترا من غاز السيرين القاتل على المدنيين، وهو ما يوازي 25 ضعف ما استعمل في جريمة الأنفاق في طوكيو عام 1995 وأكثر مما استعمله صدام حسين ضد الإيرانيين.

عندما أعرب بان كي مون عن الصدمة المروعة ودان ما وصفه بأنه جريمة حرب، قائلا إن «ملاحقة المجرمين يجب أن تكون مسألة حتمية ويجب ألا تقوموا بذبح شعبكم بالأسلحة السامة»، لم يتردد فيتالي تشوركين في القول «لكن يجب ألا نقفز إلى الاستنتاجات»، لكن كل القرائن تؤكد أن النظام هو الذي ارتكب المذبحة الكيماوية، فقد كان كافيا لإدانته القول، إن «هذه الكمية من الغاز القاتل لم تصنع في مزرعة، وإن النظام هو من يمتلك القدرة التقنية على إطلاق صواريخ أرض - أرض محملة برؤوس كيماوية»، وهو ما يمكن أن يسحب التبعات المعنوية للجريمة على روسيا، التي زودته الصواريخ ودربته على استعمالها محملة بالسيرين، والتي تحميه وتدعم الحل العسكري منذ اندلاع الثورة!

لكنه الرقص السياسي المتوحش على قبور السوريين، فحتى هذه اللحظة وبعد الاتفاق على نزع الكيماوي، لا يزال فلاديمير بوتين يصر على اتهام المعارضة باستعمال الكيماوي، وأكثر من هذا تبرز مؤشرات على هامش الاتفاق الأميركي - الروسي حول تسليم النظام ترسانته تمهيدا لتدميرها، توحي بأن موسكو تسعى لربط الاتفاق على الكيماوي بالحل السياسي، ولكن على قاعدة «جنيف - 1» التي تريد إبقاء الأسد، الذي يتمسك بالقول إنه سيخوض الانتخابات في السنة المقبلة!

ففي حين يتحدث الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون عن قرار تحت الفصل السابع لتدمير الترسانة الكيماوية، يصر لافروف على «السباحة ضد التيار» كما تقول واشنطن، فيكرر أن الاتفاق لا ينص على أن قرار مجلس الأمن سيأتي على ذكر الفصل السابع في المرحلة الأولى، ولكن إذا ظهرت حالات من عدم الالتزام بالعملية أو بتهديد عمل المفتشين عندها يمكن العودة إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار تحت الفصل السابع!

وإذا كان من الواضح أن حرص موسكو على استبعاد الفصل السابع هدفه رفع هراوة مجلس الأمن من فوق رأس الأسد، فإن تحديد منتصف السنة المقبلة موعدا لتسليم الترسانة الكيماوية جاء مثيرا للريبة، لأنه يصادف موعد انتهاء ولاية الأسد، بمعنى أن هذا التطابق في المواعيد معطوف على مسار تسليم الكيماوي، سيتيح للأسد مجال المناورة وكسب الوقت، ولأنه من المطلوب تعاونه لضمان تسليم الترسانة كاملة، فسيفتح هذا أمامه مجال المناورة ليس للبقاء حتى آخر لحظة من ولايته فحسب، بل للمماطلة وتمديد حكمه إلى أن يتم تدمير الترسانة وهو ما يحتاج وفق الخبراء إلى أكثر من 15 سنة، وإذا كانت الفظاظة لن تبلغ بالروس حد التفكير بإبقائه حاكما على بلد أشبه بمقبرة، فإنها عنده وعند حلفائه الإيرانيين تتمسك به ولو محافظا لـ«الولاية الإيرانية رقم 35 !».

واضح أن موسكو تربط بين عملية تسليم الترسانة الكيماوية وبين مؤتمر «جنيف - 2»، على قاعدة أن بقاء الأسد يمثل ضرورة عملية لاستكمال عملية نزع الكيماوي، و«هذا ما يفرض بقاءه كطرف متعاون مع المجموعة الدولية» ولأن هذه العملية تتطلب كثيرا من الوقت، ولأن مؤتمر جنيف يجب أن يستأنف لإيجاد حل سلمي ينهي النزاع العسكري، سيقول الروس إن من الضروري أن نعطيه مكانا في محادثات جنيف، أولا لضمان نجاح عملية تجريده من السلاح الكيماوي وثانيا لضمان نجاح التسوية السلمية!

وهكذا عندما يتحدث النظام السوري عن «تحقيق الانتصار» بعد موافقته على تسليم ترسانته الكيماوية، رابطا الأمر باستجابة الطلب الروسي لا بالرضوخ للتهديد الأميركي، فإنه لا يشير إلى نجاحه في تلافي الضربة العسكرية فحسب، بل يتعمد الإيحاء بأن الاتفاق يجب أن يكون خطوة أولى إلى «حل سياسي يمر عبر انتخابات ديمقراطية تسمح للشعب باختيار مستقبل بلاده»، بما يعني العودة إلى رهان الأسد منذ بداية الأزمة أي: ادفنوا قتلاكم وتعالوا إلى انتخابات تبقيني رئيسا بنسبة 99,99 في المائة!

وما لم يتم نزع الأسد من السلطة بالتزامن مع نزع الكيماوي، ستكون أميركا قد ابتلعت مهانة السكوت البغيض عن الجريمة الكيماوية، كمن يكتفي بإلقاء القبض على المسدس وإخلاء سبيل القاتل.. أما القتلى ففي مقبرة الضمير والقانون الدولي يرقدون!