نحو استفادة أكبر من الصيادلة

TT

لا يزال دور الصيدلي الإكلينيكي بحاجة إلى مزيد من التوسيع للاستفادة منه بشكل أفضل ضمن عملية المعالجة الطبية، ولا تزال العلاقة بين المريض والصيدلي أقل من أن يكون شريكا مباشرا في إتمام مراحل هذه العملية العلاجية ومراحل المتابعة الطبية.

وبالمقابل، لا يزال الدواء إحدى الوسائل الرئيسة في معالجة الأمراض، ولا يزال استخدام الأدوية في معالجة المرضى يتطلب «تفصيل» نوع الدواء وكمية جرعته ومتابعة تأثيراته العلاجية ومراقبة آثاره الجانبية، حسب حالة كل مريض وحسب التغيرات الصحية في نفس المريض. هذه هي الحقيقة التي تسير عليها معالجة المرضى بالأدوية. ومثلا، فإن ارتفاع ضغط الدم أحد أكثر الأمراض شيوعا في العالم، ونسبة الإصابات به تطال حول 30% من الناس في أي من المجتمعات العالمية، من بينهم 20% لا يعلمون أن لديهم مرض ارتفاع ضغط الدم. ومضاعفات ارتفاع ضغط الدم وتداعياتها متشعبة وتطال القلب والدماغ والكلى وغيرها من أعضاء الجسم المهمة، وتحصل نحو 350 ألف حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع ضغط الدم. وتشير الإحصائيات الطبية في الولايات المتحدة إلى أن تكلفة معالجة ارتفاع ضغط الدم تتجاوز 50 مليار دولار سنويا، وأنه تتم أكثر من 55 مليون زيارة سنويا للطبيب لمعالجة ارتفاع ضغط الدم، بينما يتناول 70% من مرضى ارتفاع ضغط الدم أدوية لمعالجته، وأن استراتيجية ضبط ارتفاع ضغط الدم تتطلب المتابعة لدى الطبيب لقياس مقداره وتقييم تأثيرات المعالجة ومضاعفات المرض نفسه على الأعضاء المستهدفة بالضرر.

وبما أن الاعتماد بالدرجة الأولى في المعالجة هو على تناول الأدوية، وبما أن احتياج كل مريض لكمية أدوية علاج ضغط الدم يختلف من مريض لآخر، فإن من المنطقي التفكير في وسائل أكثر فائدة لتحقيق نجاح معالجة الارتفاع في ضغط الدم عبر الوصول إلى الأرقام الطبيعية في قياسه، خاصة أن نسبة عالية من المرضى لا يتحقق لها النجاح في معالجة ارتفاع ضغط الدم. وثمة أسباب عدة لعدم بلوغ النجاح، أحدها عدم كفاية الأدوية في ضبط ارتفاع ضغط الدم وعدم التزام المريض بتناول الأدوية لأسباب متنوعة أحدها الإهمال.

الباحثون من مؤسسة الشركاء في الصحة للتثقيف والبحث HealthPartners Institute for Education and Research في مينابولس بالولايات المتحدة نشروا ضمن عدد 3 يوليو (تموز) الماضي لمجلة الجمعية الطبية الأميركية Journal of the American Medical Association نتائج دراستهم حول المقارنة بين المتابعة المعتادة في العيادة كما هو ممارس بشكل واسع وبين إضافة الاستفادة من القياس المنزلي لمراقبة انضباط ضغط الدم والاستفادة من إشراك الصيدلي في تغيير الأدوية pharmacist management بغية الوصول إلى انضباط أدق في مقدار ضغط الدم.

دراسة المتابعة استمرت ستة أشهر، وبنتيجتها لاحظ الباحثون أن 72% من المرضى الذين أجروا برنامج القياس المنزلي وإشراك الصيدلي، وصلوا لحالة انضباط ارتفاع ضغط الدم كما هو مأمول من المعالجة، بينما بلغت نسبتهم 45% فقط لدى من اقتصروا على نهج المتابعة التقليدية. وأفاد الباحثون أن سبب بلوغ نصف المرضى فقط حالة انضباط ارتفاع ضغط الدم باتباع طريقة المعالجة التقليدية يعني أنها طريقة لم تنجح في تحقيق المأمول، أما الاستفادة من القياس المنزلي وإشراك الصيدلي فهي وسيلة أثبتت فائدتها في تحقيق المأمول العلاجي. وتضمنت الاستفادة من الصيدلي إرسال ستة قياسات لضغط الدم في أوقات مختلفة، إلى الصيدلي في كل أسبوع، والتواصل معه لتلقي نصائح حول التغيرات الدوائية في المعالجة وغيرها من نصائح السلوكيات الصحية لنمط الحياة اليومية.

وعلى الرغم من اعتراف الباحثين أن ثمة ضرورة لوضع ضوابط لإعطاء الصيدلي في إجراء التغيرات في الأدوية، فإن التجربة مشجعة ولافتة للنظر وتتطلب مزيدا من البحث في تأثيرات هذا النهج على الحالة الصحية لمرضى ارتفاع ضغط الدم على المدى البعيد. ووضع الضوابط ضروري لدواع عدة، منها دواع قانونية - أخلاقية تتعلق بتحمل مسؤولية التغيرات تلك على المريض، وخاصة عند حصول أحداث سلبية في صحة المريض وتحديد أسباب ذلك.

والملاحظ أن توسيع العلاقة في الاستفادة بين المرضى وأفراد الفريق الطبي المتابع لمعالجة حالته الصحية هو خطوة ضرورية. ومع التطورات المتلاحقة في عالم الطب ومعالجة المرضى، فإن تنسيق الاستفادة الأمثل والأقصى من جميع العاملين على خدمة المريض هو مطلب ضروري. والصيدلي أحد الأفراد المهمين في فريق المعالجة الطبية، واحتياجات المريض إليه في فهم أنواع الأدوية التي يتناولها ومواعيد ذلك والتنبه للآثار السلبية المحتملة لها وكيفية التصرف حال حصولها، هي بعض جوانب علاقة المريض بالصيدلي. وتطوير استفادة المريض ضرورة مع عدم نجاح الاكتفاء بالطريقة التقليدية لمتابعة معالجة مرضى ارتفاع ضغط الدم.