إذا عرف السبب بطل العجب!

TT

حاولت أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة هارفارد «إلين لانجر» معرفة لماذا يقتنع البعض بكلامنا وأفعالنا بسرعة غير متوقعة وبأقل جهد يمكن أن نبذله.

فبدأت بتطبيق دراسة كان يطلب فيها من أحد المشاركين حمل بضع أوراق والتوجه إلى الشخص الذي يستخدم آلة التصوير ليقول له: «من فضلك لدي 5 أوراق، هل يمكنني استخدام آلة التصوير؟» فكانت نسبة الموافقة 60%. ثم توجه الباحثون إلى آخرين لكنهم غيروا من صيغة السؤال فقالوا: «من فضلك لدي 5 أوراق، هل يمكنني استخدام آلة التصوير لأنني في عجلة من أمري؟» فارتفعت نسبة القبول إلى 94%. وكان الفارق الوحيد أن الباحثين ذكروا «سببا» وجيها لطلبهم فلقي قبولا ساحقا.

وهو أمر حدث عدة مرات أمامي في مطارات عالمية حينما يستأذن موظف خطوط الطيران الواقفين في الطابور لكي يفسحوا المجال للركاب في نهايته لأن طائرتهم توشك أن تقلع فلا يعترض أحد.

الإنسان بطبيعته متعاون لا سيما إذا عرف لماذا يطلب منه فعل أمر ما خصوصا إذا كان ظاهر الطلب غير مفهوم. فبعض المسؤولين يكلف مرؤوسيه بما هو فوق طاقتهم وينسى أن يبين للموظفين أنه يريد، مثلا، أن يثبت للإدارة العليا أنهم أكفاء ويستحقون الترقية أو الامتيازات.

وأيا كان العمل شاقا لا بد أن تجد مقداما يقبل عليه إذا عرف منفعته أو أن يتراجع عنه إذا أدرك مضاره. ومن هنا جاءت فكرة أن مثوى الشهيد الجنة ومصير المنتحر الخلود في نار جهنم. وحتى القوانين الوضعية تحاول التلويح بالعقوبات المغلظة أملا في ردع المجرمين. فالمجرم إذا عرف أن سبق الإصرار والترصد تختلف بشاعتها وعقوبتها عن رد الفعل الغاضب أو الدفاع عن النفس فإنه سيفكر ألف مرة قبل أن يقدم على فعلته بعد أن يعرف السبب.

نحن في زمن أصبحت الحاجة فيه ماسة إلى استخدام الحجة والمنطق والإقناع لأن أعداد العرب المتعلمين والمتخصصين تتزايد بصورة مذهلة من حولنا. وحتى تلك الشعوب الأمية التي كان يقودها زعماء جهلة تعلموا وتثقفوا وصاروا أكثر إلماما بمجريات الأحداث من حولهم. ومن هنا تأتي أهمية أن نقنع الناس بأسباب فكرتنا أو قرارنا حتى يكون هؤلاء رافدا وداعما لها لا حجر عثرة في طريقها. وكما قيل إذا عرف السبب بطل العجب!

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]