سيد قطب وحميدان الشويعر!

TT

استمتعت قبل أيام بقراءة مقالة للكاتب السعودي، الأستاذ إبراهيم التركي في جريدة «الجزيرة». فكرة المقالة تدور على الإنصاف والموضوعية في التعامل مع الشخصيات التاريخية، كما مع الأحزاب والجماعات.

الأستاذ التركي ضرب مثلا بما سماه وثيقة كشف عنها الأديب والوزير السعودي د. عبد العزيز الخويطر، في سلسلته «وسم على أديم الزمن»، حول حكم نقله بالسند، المتسلسل وصولا إلى الشخص الذي أصدر الحكم، على الشاعر النجدي الشهير، حميدان الشويعر (توفي 1188 أو 1200 هجري) واشتهر بشعر النصح، كما بشعر الهجاء، والظرف. ومما نقله الراوي، بالسند الذي ذكره الخويطر، عن الذي التقى حميدان، أن الشاعر كان كثير الصلاة محافظا عليها وأول من يدخل المسجد وآخر من يظهر منه، ويحب المبادرة بالسلام والبشاشة ومن بيته إلى المسجد وكان رجلا مهابا ومهذبا وآية في البلاغة والفصاحة. يستخلص الكاتب التركي من هذه القصة عبرة الإنصاف والموضوعية وعدم الاغترار بالشائع من القول والوصف.

هذه خلاصة لا يجادل فيها عاقل، ولا باحث عن العدل، كما عن العلم الحقيقي أيضا. ليتنا نطبق هذه المنهجية على واقعنا، وتاريخنا، لسلمنا من شر كثير، ومن إحن وخلافات تسيل بها الدماء، وتنحر فيها العدالة.

معقد حبال التزمت، بكل صوره، هو في الانحيازات المسبقة، المتعالية على كل برهان ودليل. ذكرنا الكاتب بأمثلة من هذه الصور الشائعة المغلوطة، كما عن الوالي المصري قراقوش، والمستكشف كولومبس. ثم قال: «الوضع يشمل الأشخاص مثلما يمس التنظيمات، ولا تكفي رؤى الأقران والمناوئين؛ فالمعاصرة حجاب كما يقولون مثلما يمنع الشنآن العدل، ومن الحيف الاكتفاء بأقوال الإخوان في عبد الناصر والناصريين في سيد قطب والشيعي في عمر والسني في يزيد بن معاوية».

من حيث المبدأ، كلام صحيح، ومن حيث التطبيق كلام فيه ما فيه.

عبد الناصر لم ينتقده الإخوان فقط، بل غيرهم، ومن تيارات شتى، بل ومن غير العرب، فهو شخصية رسمت ملامح المنطقة منذ منتصف القرن المنصرم، وما زالت ثقافته السياسية تفعل في حاضرنا.

سيد قطب، لم ينتقده أتباع عبد الناصر وحسب، بل انتقده إسلاميون، بعضهم «إخوان» وانتقده طلبة علم ديني، بالسعودية وغيرها، وكتب عنه باحثون «محترفون»، مثل الباحث المصري شريف يونس في كتابه «سيد قطب والأصولية الإسلامية» وهو أطروحة علمية في الأساس. لاحظ أننا لم نشِر لكتاب حلمي النمنم، وهو من المراجع المهمة في الدراسات عن قطب، ولا كتاب الصحافي عادل حمودة، باعتبار أن هذه الكتب «منحازة» ضد سيد قطب.

الموضوعية مطلب عاقل ونبيل، لكن من الموضوعية عدم اختزال النقد والدراسات حول سيد قطب أو عبد الناصر، مثلا، في مادح وقادح. بل النظر إلى هذه الشخصيات بنهج علمي يضع الأمور في نصابها، ويزيل هالات القداسة، وغمامات الدعاية المضادة أيضا.

هكذا أفهم الموضوعية.