السعودية: اليوم الوطني 83

TT

تفتخر المملكة العربية السعودية بكونها بلدا لم تطأه قدم محتل ولم يحكمه مستعمر قط، وهي قبل الوحدة كانت مناطق متناثرة وقبائل متناحرة حيث لا استقرار ولا أمان ولا دولة، ولكنها تحت قيادة الملك عبد العزيز وجنوده المخلصين من كل مناطق ومدن وقبائل المملكة عرفت طعم الوحدة ورفلت في ثياب الأمن والاستقرار عقودا وعقودا.

تحتفل السعودية غدا (الاثنين) باليوم الوطني الـ83 على توحيد البلاد، وهي مناسبة وطنية جديرة بالاهتمام والاحتفال.

إن الأيام الوطنية للدول هي مناسبة مجيدة لاستحضار أمجاد الماضي وبطولاته وما بذله الآباء والأجداد من جهد مضن وعمل دؤوب حتى يورثوا للأجيال التي تليهم منجزات وحدة وطنية وهي مناسبة كذلك لإدراك إيجابيات الواقع ومنجزاته والدفع باتجاه مستقبل أزهى وأبهى.

هذا العام يحق للسعودية أن تحتفل أكثر من ذي قبل فهي داخليا قد سجلت هذا العام ميزانية ضخمة وتاريخية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وخارجيا فرضت نفسها كقوة إقليمية كبرى على حسب وصف بعض الصحف العالمية، فنجح رهانها في مصر على قوة الدولة هناك وعلى وعي الشعب المصري الذي لفظ من حاولوا اختطاف مصر من عمقها الاستراتيجي في الخليج العربي في حين خسر خصومها جميعا رهاناتهم، وقد استطاعت بموقفها التاريخي تجاه مصر أن تقف في وجه أقوى حلفائها الغربيين حين رأت تخبط سياساتهم هناك وظفرت ونجح الشعب المصري في مهمة تخليص البلاد والعباد من شرور جماعة تكره الأوطان وتمجد الانتماءات الحزبية.

لقد شرق بهذا الموقف التاريخي كثير من القوميين واليساريين العرب الذين كانوا عاجزين عن رؤية مواقف وسياسات السعودية المستقلة والندية مع الغرب وكانوا لا يروجون إلا أقاويل التبعية التي غرقوا فيها دهرا فلما صدقت الأفعال الأقوال ونجح رهان السعودية لم يستطع بعضهم الفهم فضلا عن الاعتذار، وللأسف أن لدينا في السعودية سماعين لأولئك يقلدونهم من دون وعي ويمجدونهم من دون تفكير.

وفي استمرار للموقف فقد خرج خطاب الملك عبد الله بتاريخ 16 أغسطس (آب) 2013 محذرا من جماعات الإسلام السياسي التي تستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية، وقد أبان الخطاب الملكي عن رؤية صلبة تجاه هذه الجماعات وإدانة صريحة لكل مواقفها المعادية للسعودية ودول الخليج سواء في سدة الحكم أم قبل ذلك بعمليات التغلغل السرية الخطيرة.

وهي كذلك كانت أول من وقف علنا لتأييد الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد وذلك في الخطاب الشهير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في 7 أغسطس 2011 والذي قاد موقفا دوليا لمساندة الشعب السوري، وقد توالت مواقف السعودية في ذات السياق وقدمت كل أنواع الدعم السياسي والعسكري واللوجيستي للمعارضة السورية، وهو ملف ستكسبه السعودية لأن أحدا لا يمكن أن يتصور أي مكان لبشار الأسد ونظامه في مستقبل سوريا.

على الصعيد الداخلي لم تزل مشاريع التنمية على قدم وساق في كل المجالات وعمليات التطوير المتدرج والمدروس تشمل القطاعات الأكثر أهمية وحيوية للمواطنين.

إن هذا لا ينفي وجود أخطاء وإعاقات لبعض المشاريع وتأخر في بعض الإصلاحات ولكن هذا كله لا ينفي قوة التوجه نحو التطوير أو الركون إلى الأعذار بل يعني الاستمرار في التطوير والتغيير للأفضل، وإصلاح الأخطاء مستمر وتذليل العقبات يجب أن يبقى دائم الحيوية والفاعلية.

قبيح منهج تصيد الأخطاء في لحظات الفرح وأقبح منه التقليل من المنجز في لحظات الفخر والاحتفال، وهذه فئات لا يخلو منها بلد ولكن بعض محترفيها في السعودية جاوزوا الحدود في بعض المسائل.

إن الشرعية السياسية السعودية الراسخة تزداد رسوخا مع الأيام، والنجاحات والإنجازات والإصلاحات الكبرى تشدها بأواصر الوطنية المخلصة والحلم الدائم بمستقبل أفضل.

إن الاحتفال باليوم الوطني ليس مقتصرا على المنجزات السياسية أو الحكومية بل هو احتفال بالدولة والشعب، بالوطن والمواطن، من أصغر الدوائر لأكبرها، من دائرة الفرد وذكريات طفولته ويفاعه وشبابه، إلى دائرة الأسرة أو القرية فالقبيلة أو المدينة، وصولا للوطن بأكمله.

اليوم الوطني فخر بالمنجز الماضي وتفان في العمل في الحاضر وحلم بالمستقبل، إنه تجديد للولاء والانتماء للمحبة الخالصة، ويزيده بهاء استحضار أهمية الاستقرار والأمان في خضم اضطرابات كبرى وفوضى عارمة تجتاح أكثر دول المنطقة.

إن البلدان لا تصل للكمال أبدا، بل هي في عملية تطوير مستمر يتسق مع مسار التاريخ، فالتحديات دائما قائمة وحلولها كذلك، ومع كل تحد جديد تخلق الحلول وتفتح الآفاق، في عملية دائمة تشكل حركة التاريخ والدول نحو التقدم والرقي.

لقد واجهت الدولة السعودية الثالثة منذ إنشائها الحديث الكثير من التحديات الداخلية والخارجية وقد استطاعت بكل اقتدار تجاوزها جميعا وأثبتت على الرغم من ضخامة التحديات وعظم الصعوبات أنها قادرة دائما على اجتيازها وتذليلها.

في كل عهود القيادة في السعودية كانت البلاد موفقة لقائد يرعاها ويحميها، فخاض الملك عبد العزيز ورجاله ملحمة التوحيد بكل آلامها ومآسيها وقد بذلوا الغالي والنفيس حتى استوت البلاد على سوقها وقامت الوحدة على أساس راسخ ورايات مظفرة منصورة.

وقد توالى أبناؤه من بعده في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية؛ من مواجهة الانقلابات العسكرية مع المد القومي والناصري ومن بعد مواجهة محاولات تصدير الثورة الإسلامية في إيران ومن بعد الوقوف الصلب في وجه حماقات صدام حسين والنصر المؤزر ضد تنظيم القاعدة وصولا للملك عبد الله الذي يشهد الجميع منجزاته وتمتلئ قلوب السعودية محبة وتبجيلا له، لقد بادلوه حبا بحب.

لا تخلو الأوطان من بعض الفئات التي تكره الفرح وتشيع السوداوية وتركز على السلبيات، والواجب في الأيام الوطنية تجاوز مثل هذه الفئات وعدم الالتفات لتهويشاتها وتهويماتها، ولكن الذي ينبغي الحذر منه هو بعض الرموز والجماعات التي لديها موقف آيديولوجي معاد للأوطان ومستخف بالبلدان، فهو يعد الوطنية رجسا من عمل الشيطان، وهؤلاء المؤدلجون لم تشف جراحهم من نجاحات السعودية بعد، وهم أبانوا عن ولاء تام لجماعاتهم وعداء مواز لأوطانهم ولمواطنيهم ولذلك فينبغي محاسبة من يتعدى شره على الآخرين أيا كان.

أخيرا، إن الوطن لجميع أبنائه وبهم، ومن لا خير فيه لوطنه لا خير فيه لأحد، وقديما قال الشاعر:

وحبب أوطان الرجال إليهموا

مآرب قضاها الشباب هنالكا

[email protected]