البحث عن خليجي يفهم إيران

TT

المعرفة قوة. لكن المعرفة ليست دعوى، بل واقع ساطع.

من أهم أسلحة الدول، والشركات، والجامعات، نشاط البحث العلمي. والإنفاق على البحث العلمي يصل إلى معدلات عالية في الشركات الرائدة، كما لدى الدول، أو هكذا يُفترض.

لنكن أكثر تحديدا، وأقرب لواقعنا؛ إيران دولة كبرى في المنطقة، لها مشروعها السياسي الطموح، تسخّر له مالها وإعلامها، وجامعاتها، وحلفاءها، تسيّر له عاطفة الدين وعنفوان الهوية، من الرصيد المعنوي لفلسطين في الشعور الإسلامي والعربي، إلى توظيف الاعتزاز القومي الفارسي بشخصية الإمبراطور الفارسي قورش العظيم.

كثير من الإيرانيين، أنصار النظام، تجدهم يتقنون العربية، ويكتبون بها، ويقولون الشعر ويحفظون المتنبي والبحتري، ناهيك بمراكز الدراسات المتخصصة في العالم العربي، التابعة للحكومة أو التي تقدم نفسها بشكل مستقل، ومن ذلك المركز العربي للدراسات الإيرانية، ومديره محمد صالح صدقيان، ويقول في تفسير قيام المركز: «على الرغم من الطفرة التي شهدتها وسائل الإعلام العربية في السنوات الأخيرة من حيث الكم والنوع، (...) نعتقد بوجود قصور في تغطية الحدث الإيراني».

ويضيف: «أكبر دليل على ذلك وجود أقل من 15 مراسلا عربيا فقط، لتمثيل صحف وإذاعات وتلفزيونات 22 دولة عربية، يوجد فها، حسبما تشير الإحصائيات، ما يقرب من 100 قناة فضائية». نرى في الفضائيات العربية ضيوفا كثيرين من إيران، يتحدثون العربية بطلاقة، وينافحون عن مشروع إيران ببسالة، نجد من يكتب الدراسات عن مجتمعات العالم العربي، ودول الخليج. في المقابل، هل نعرف مركزا متخصصا في الخليج في الدراسات الإيرانية؟ هل نعرف نجوما من السعودية أو الكويت أو قطر أو الإمارات، مثلا، يخرجون على الفضائيات الناطقة بالفارسية، ويكتبون في الصحف والمواقع الفارسية، يشرحون موقف المجموعة الخليجية، وينافحون عن المصالح العليا لدولهم، خصوصا أن إيران هي الجار الأقرب؛ تبعد رمية حجر عن شواطئ الكويت، ورميتي حجر عن شواطئ السعودية وقطر؟

هل تعرفون باحثا من هذه الدول الخليجية يعد مرجعا لغيره في الحديث عن تفاصيل إيران، ليس السياسية فقط، بل الثقافية والتاريخية، بحيث يصبح وكأنه عُجِن بماء طهران وقم وأصفهان؟!

أين إنفاق الدول الخليجية على «صناعة» نخب من الباحثين الخليجيين في الشأن الإيراني؟ أين وزارات الخارجية؟ أين الجامعات الخليجية، والمبادرات الخاصة حتى، من إنتاج نخب محترفة كل الاحتراف في الملف الإيراني؟

يوجد أفراد لديهم جهود مقدرة في هذا الشأن، نتذكر أن الأديب الكبير إبراهيم العريض، ترجم من الفارسية للعربية مباشرة رباعيات الخيام. وكان قدماء التجار في الخليج والعقيلات في نجد يتقنون كثيرا من لغات الدول التي تسافر إليها سفنهم، وتنشط فيها تجارتهم، مثل بومبي وغيرها. أين نهج هؤلاء، مع قلة الحال والحيلة، فيما تفعله الدول والجامعات الخليجية؟!

المعرفة قوة، كل القوة.