تسعون «الأستاذ»

TT

الجديد في الاحتفال بتسعين محمد حسنين هيكل، أنه سمح لـ«الأهرام» بالمشاركة فيها؛ من رئيس التحرير عبد الناصر سلامة إلى كاتبتها سناء البيسي إلى عمودي الصفحة الأخيرة فاروق جويدة وصلاح منتصر. في السابق، كان اسم الرجل الذي صنع «الأهرام» الحديث ممنوعا إلا على باب المبنى، حيث لائحة رؤساء التحرير السابقين.

اختلف المحتفلون في توصيف «الأستاذ». منهم من قال إنه مشروع، ومنهم من قال إنه مؤسسة. والحقيقة أن هيكل كفاءة تأتى لها حظ نادر. بدأ ذلك عندما أعطاه محمد التابعي نصيحة العمر: إذا كنت تريد أن تكون صحافيا في مصر فابحث عن صحيفة عربية، ما تكتب في الإيجيبشيان غازيت!

جاء هيكل إلى الصحافة العربية فإذا كاتبها التابعي، وناشرها مصطفى وعلي أمين، وعمودها عباس محمود العقاد، وناقدها طه حسين، وسارح خواطرها توفيق الحكيم. أما مصدره الإخباري والسياسي فكان جمال عبد الناصر.

لكن المهم في هيكل أنه أدرك أن الحظ مثل قول المتنبي في حسن المرأة، حال تحول. لذلك اعتمد على ما هو أبقى: الجهد. فلما فقد عبد الناصر تحول الصحافي إلى مؤرخ وحول الذكرى إلى حدث. وعرف أن أهميته في موقعه الأول، فلم تغره عروض صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي بالانتقال إلى جانبهم.

لكن هيكل الأستاذ والماهر فضل مشاعره على موضوعيته، صحافيا ومؤرخا. نظر إلى الملكية على أنها عدو، ولم يتطلع إلى أنها ربحت معركة البقاء والازدهار. تخلى عن كل قاعدة من القواعد الصحافية التي وضعها، عندما كان الأمر يتعلق ببعض الحكام العرب. وعندما قرر الاستئذان بالانصراف عن الكتابة في عامه الثمانين وجد في انتظاره عرضا شفهيا من «الجزيرة». لم يلتفت طويلا إلى أن منبره الجديد خليجي أميري.

عندما قرر الانصراف عن الكتابة لم يقرر الانصراف عن الضوء. والصحافة إدمان الضوء. وهيكل أتقن صناعة الضوء كما أتقن حرفة النص. مثلما أدار صداقته لعبد الناصر كموضوع صحافي هكذا أتقن عداءه للسادات. ثم لم يتردد في المشي فوق صدر مصطفى أمين، ناشره وزميله.

هيكل هو صورة عن قرن مضطرب وحالم وخائب من تاريخ مصر والعرب. ولد في مصر المستعمرة وشب في مصر الملكية ولمع في مصر الاشتراكية وسجن في مصر السادات وأبعد في مصر مبارك. كان في الحكم يوم هزمت مصر، وفي المنفى عندما دخلت كامب ديفيد، وفي الظل عندما شاهد ياسر عرفات يدخل كامب ديفيد. وحول كل شيء إلى موضوع أو سلسلة أو كتاب. عنوان واحد من مواقع كثيرة: «بصراحة»، بقلم محمد حسنين هيكل. لم يكن دائما صريحا، لكنه حرص على أن يكون دائما محمد حسنين هيكل. اكتفى بلقب «الأستاذ» تاركا أقرانه يتلهون بصفة «الأستاذ الكبير».