ومن الترميم ما قتل

TT

تمثل عمليات الترميم الخاطئة خطرا جسيما على آثارنا ويمتد تأثيرها على المدى الطويل ويهدد حفظ الآثار المصرية بصفة عامة والفرعونية خاصة نظرا لقدمها الزمني الممتد لآلاف السنين. ويعد أبو الهول أفضل مثال لهذا الأمر، فقد تمت إضافة أحجار كبيرة ككساء له فيما بين أعوام 1982 و1987 (في الوقت الذي كنت فيه أدرس لنيل الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا)، كما تم استخدام الإسمنت الأخضر لوضع أحجار الكساء في أماكنها. ومن أجل عمل هذا الكساء، تمت إزالة الأحجار القديمة الأثرية التي أضيفت لأبو الهول في العصور الفرعونية والرومانية. وتلك العملية الخاطئة للترميم يمكن رؤيتها في صورة الضرر التي ألحقها العمال بالبراثن الأصلية لأبو الهول.

ويمكن أيضا ملاحظة عمليات الترميم السيئة بمعابد إدفو وإسنا والأقصر والكرنك. وهذا النوع من الترميم قصير المدى قد تم منذ أوائل القرن العشرين. ويجب علينا تقييم التأثير طويل المدى لأي عملية ترميم، والتأكد من حمايتها للآثار، وليس الإضرار بها، كما نحتاج أيضا إلى التأكد من أن عملية الترميم يجب أن تحافظ على حقيقة أن تلك الآثار هي أطلال، ويجب المحافظة على شكلها الأثري القديم.

وهناك أكثر من 300 بعثة أجنبية ومصرية تعمل في مصر، وقبل أن أتولى مسؤولية الآثار لم تكن توجد أية قواعد ثابتة يمكن لهم اتباعها من أجل الحصول على امتياز العمل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التصاريح كانت في بعض الأحيان تمنح لغير الأثريين للعمل في مصر. ومع ذلك فلا ننكر أنهم - أي الأجانب - يحبون مصر ويعشقون علم المصريات، وهؤلاء لم يمروا بالتدريبات الصارمة التي يجب أن يكملها الأثريون كي يقوموا بعمليات حفائر. فهم لا يعرفون قدر المشكلات التي يمكن أن يواجهوها والتقنيات التي يحتاجونها من أجل القيام بعمل ملائم ومحترف. فهؤلاء الناس هم هواة ويجب عدم السماح لهم بوضع تراثنا القديم في خطر.

وهناك مثال مخيف حول تلك المشكلة ظهر في عام 1986م عندما كنت في بنسلفانيا؛ حيث قامت هيئة الآثار المصرية بمنح تصاريح لاثنين من الهواة الفرنسيين للعمل برادار داخل الهرم الأكبر للملك خوفو. وادعى هذان الفرنسيان أن هناك حجرة مغلقة بالممر الأفقي. ودون أية تصاريح، قاما بعمل حفرتين داخل الهرم!! وهناك مثال آخر؛ حيث سمح لمهندس فرنسي بالعمل داخل هرم الملك خوفو، والذي كان باعتقاده أن الملك خوفو كان مدفونا أسفل الأرضية أمام الحجرة الأولى داخل الهرم الأكبر. وقد حاولت منع هذا الرجل من الحفر إلا أن اللجنة الدائمة قد أقرت بالتصاريح بدافع من رئيس الهيئة في ذلك الوقت؛ لذا لم أتمكن من فعل أي شيء. وأعتقد أننا يجب ألا نسمح لأي شخص بالعمل في مصر دون أن يكون تابعا لمعهد معتمد. فمثل هؤلاء الهواة لا يهتمون بالآثار، بل الدعاية لأنفسهم، فكتب الفرنسيان مقالا في صحيفة فرنسية بعنوان «إحنا اللي خرمنا الهرم»!