انطلاقة خارج الجسد

TT

خطر لي اليوم أنني وأنت وكل البشر يمضون ثلث الحياة في الفراش وهم في حالة سبات عميق. فهل يمكن أن نعد تلك الساعات ساعات ضائعة تختزل حياتنا على الأرض بمقدار الثلث؟ أم أن النوم، بصرف النظر عن فوائده الفسيولوجية والنفسية، هو امتداد للحياة ولكن على مستوى آخر يلعب فيه العقل الباطن دور البطولة؟

كثيرا ما أفكر في الأحلام وفي معانيها وأحاول دائما أن أستبشر بما أحلم به، وخصوصا لو أفقت من نومي وأنا في حالة ارتياح وسرور. وعلى فترات متباعدة قرأت كل ما صادفني عن الأحلام وموقعها في الخريطة النفسية للأفراد، واكتشفت أن سيغموند فرويد كان من أوائل العلماء الذين انشغلوا بالأحلام وتفسيرها ومصدرها ومعانيها. وخلص فرويد إلى أن الأحلام ما هي إلا تعبير عن رغبات مكبوتة، وهو ما يقوله المثل الشعبي المصري «الجوعان يحلم بسوق الخبز».

وهناك مدرسة أخرى تعد الأحلام انعكاسات لحالة الجسد قبل النوم. إذا أكل الإنسان طعاما دسما ثم آوى إلى فراشه ينام نوما تقطعه أحلام مزعجة، ولكنه إذا دخل الفراش بعد سماع الموسيقي أو الاستمتاع بحمام دافئ نام نوما تقطعه أحلام طائرة كالعصافير الملونة يسره مرآها، ولكن سرعان ما تتلاشى ذكراها حين يستيقظ من نومه.

والمدرسة الثالثة هي تلك التي تعد الأحلام انطلاقة الروح خارج الجسد الذي تحكمه قوانين الفيزياء داخل فضاء زمني محدد فلا يمكنه أن يسافر إلى المستقبل أو أن يرجع إلى الماضي، ولكن الروح لا تحكمها تلك القوانين فإذا بها تتجول بحرية عائدة إلى الماضي أو مسافرة إلى المستقبل فتربط بينهما برموز يلتقطها النائم وينسج منها سياقا روائيا يبشره بأمر أو يحذره منه.

إذا تأملت في أحلامي قبلت بكل تلك المدارس مجتمعة، فهناك أحلام يسببها الإحساس ببرد أو حر أو بعسر الهضم، وهناك أحلام تخفف من عبء الحزن على أماني لم تتحقق.. وهناك أيضا أحلام لها معنى لا يفهمه سوى صاحب الحلم لأنها أحلام لا تعتمد على اللغة المنطوقة التي نتواصل بفضلها مع الآخر، وإنما هي أحلام تعتمد بالدرجة الأولى على صور ورموز وإيماءات على خلفية أمكنة عشنا فيها في الطفولة أو في الصبا أو قد تكون خليطا بين الأمكنة التي عرفها النائم في مراحل مختلفة من حياته. ولكن مهما كانت حقيقة المعنى الذي يحمله الحلم فإننا بلا استثناء نتأثر بها. وأذكر من صباي البعيد كم كنت أتوتر قبيل الامتحانات ربما لأنني أحمل عقدة لازمتني طويلا وهي عقدة الخوف من الفشل. ومن نعمة الله عليّ أنني لم أرسب في امتحان أبدا رغم استمرار حالة الخوف من الامتحانات عاما بعد عام. في تلك الأوقات كان الدواء الناجع لخوفي ابتسامة من أمي، رحمها الله، وهي تودعني على باب البيت قبل الذهاب إلى المدرسة وتقول: ناجحة بإذن الله. لقد حلمت لك حلما زاهيا ليلة البارحة. لم أكن أسألها عن تفاصيل الحلم، كان يكفيني أنها فسرت الحلم على أنه بشرى.

أتمنى أن يشرفني بعضكم برأي عن الأحلام وعن موقعها في حياته. هل حملت إليك أحلامك بشرى تحققت؟ هل رأيت مناما حملك على العدول عن القيام برحلة بالطائرة كنت اعتزمت القيام بها ثم قرأت في اليوم التالي أن الطائرة تحطمت في الجو؟ هل يزورك عزيز فارق الحياة في أحلامك فتتذكر أن تخرج له صدقة أو أن تقرأ له آية قرآنية؟

أرجوكم، لا تبخلوا عليّ بتجاربكم مع الأحلام.