القلم والسيدة السريلانكية

TT

فرضت الإمبراطورية الرومانية على مستعمراتها ضرائب هائلة أفقرت الناس في كل مكان. وكان الأكثر تضررا اليونانيون فأخذوا يبيعون ما يملكون. وكان الرق يومها شائعا، فالتفتوا إلى كنزهم الأول: البشر.

راق العبد اليوناني للسيد الروماني. فهو مثقف وموهوب. وغالب الأحيان هو خطاط بارع، في زمن كان المؤلف لا يزال يملي أفكاره. وقد استمر ذلك عصورا، إلى أن تعلم المؤلف كيف يدون هو أيضا من دون وسيط.

كما نشر الفلاسفة اليونانيون الفكر من قبل، هكذا ساهم العبيد الأغارقة في نشر الكتب، حتى صار سعر الكتاب يومها يقارب سعره الآن بسبب السخرة. لكنه كان عملا شقيا يزيد العبودية بؤسا. وكان الخطاطون يحلمون بيوم تسقط فيه آلة من السماء تصف عنهم الأحرف وتشبك الكلمات من دون عناء. مرت منذ اختراع الآلة الطابعة مراحل مذهلة. زال الحبر والورق وصارت الآلة تصحح للكاتب خطأه الإملائي، وتنبهه إلى أنه استخدم المفردة أكثر من مرة في مقال واحد، وتعرض عليه مجموعة مرادفات يختار منها ما يروق له ولا يفضح جفافه اللغوي.

ما زالت الكتب مثل العبيد الأغارقة في قصور روما. صحيح أنني توقفت عن استخدام الريشة والحبر السائل كما بقيت أفعل إلى سنوات قليلة خلت، ولكن الورق والحبر الجاف لا يزالان سبيلي ووسيلتي. جربت فترات أن أملي فاكتشفت أنني أصير إنسانا آخر، أغرق في الإنشاء وأهمل المعارف. كما اكتشفت أنني أعير اهتماما مساويا للشخص الذي أملي عليه: هل أطلت عليه؟ هل يشعر بالملل؟ هل عليه الذهاب ويمنعه تهذيبه من الإفصاح؟

جربت أيضا أن أتعلم الطباعة. وجدت أنني أهدر من الوقت أكثر مما أوفر، وحتى أكثر مما أملك. وعدت إلى عصر الأرستقراطية الرومانية والعبودية الإغريقية. وكلما رأيت مكتبة في أي مكان في العالم، جربت كل ما تبيع من أقلام، بحثا عن الجاف الأكثر سيولة! وفقدت أيضا القدرة على العودة إلى الحبر السائل لأن الريشة خفيفة وراحة يدي ثقيلة. وفي النهاية أعود إلى قلم واحد اعتدت عليه منذ سنوات قليلة. وعندما ينخفض مخزوني منه أشعر بالفزع وكأننا لا نزال في زمن الأغارقة عبيدا. ويضحك من هلعي أصحاب المكتبات. كما يضحكون عندما لا أستطيع التمييز بين الأقلام التي جربتها عدة مرات. ويسألونني: «أين تذهب كل هذه الأقلام»؟ مثل جميع الأشياء التي حان وقت الاستغناء عنها، نعطيها إلى لارا، السيدة السريلانكية التي تساعدنا في البيت، وتقيم في قريتها «مؤسسة» لمساعدة الفقراء، بينها سيارة لتوزيع الحليب.