الوزير الذي باع الإذاعة

TT

اكتشفت ليبيا بعد أربعين عاما أنها بلا جيش حقيقي، وواقعة تحت رحمة الميليشيات المتناحرة والمتنافسة على السلاح والمغانم. انهارت دول أفريقيا لأن الحكام ألغوا الجيوش التي جاءوا منها، خوفا من تكرار حكاية الانقضاض على السلطة والناس. وفي سيراليون فكك سياكا ستيفنس الجيش وباع وزير إعلامه برج الإرسال التلفزيوني، ثم جاء خلفه فترك الطرقات بلا عناية. وفي زيمبابوي أعلن روبرت موغابي لنفسه ولوزرائه زيادة 200 في المائة على الرواتب، في بلد كان دخل الفرد فيه يوم الاستقلال 5 أضعاف ما هو الآن. وكم نسبة البطالة؟ إنها وفقا للأمم المتحدة 94 في المائة. لا تخافوا، أعدت التأكد من الرقم قبل تدوينه.

ألغى القائد الجيش وأقام الكتائب لأبنائه؛ كتيبة خميس وكتيبة مساعد. وألغى الشعب وأقام لجانه. ومن أجل تدمير العراق إلى الأبد كان أول قرار اتخذه بول بريمر ذو الحذاء المطاطي العالي حل الجيش العراقي. انهار لبنان في الحرب عندما انهار جيشه، وحلَّت مكانه جيوش الميليشيات، التي لا قانون ولا مرجع ولا أخلاق. وعندما غابت الشرطة في مصر امتلأت المدن بالخوف والزعران واللصوص.

الحاكم الفرد يريد أن يأتي على ظهر دبابة، وأن تكون هي الدبابة الأخيرة القادرة على الحركة. الجيش هو جيش الرئيس لا جيش الدولة. لم يجرؤ عسكري واحد على الشرح لصدام حسين بأن مجابهة 33 دولة، بينها أميركا، عمل انتحاري سوف يلحق بالجيش أسوأ ما يمكن أن يحل بجيش نظامي: الهزيمة.

الجيوش المهزومة تحقد على القائد الذي تسبب لها بالهزيمة أكثر مما تحقد على عدوّها. تزول الدول عندما تزول الجيوش. ها هي ليبيا تتخبط تحت الأخطار والخوف في انتظار العودة إلى عصر المؤسسات: الجيش والأمن والمحاكم والمدارس التي لا تعلم أن المركوب لراكبه، كما في عبقرية النظرية العالمية الثالثة التي وضعت لإنقاذ العالم، لكنها لم تستطع إنقاذ صاحبها من نهاية الحصيرة.

ما هي الدول الفاشلة؟ إذا أردت جوابا مختصرا، هي الدول التي يقبض عليها رجل فاشل ينجح في أمر واحد، هو تحويلها خمْ دجاج: السلطة له والمال له والأمن له والحياة له. وللآخرين الحرية في أن يهتفوا له. وحين لا يهتفون تتدخل الكتائب.