مستقبل أوسع للتأمين الطبي

TT

كنموذج يستحق المتابعة لأحد برامج إصلاح القطاع الصحي على مستوى الدول في العالم، لا تزال الأوساط الطبية تتابع مراحل تطبيق برنامج إصلاح القطاع الصحي الذي تتبناه الإدارة الأميركية الحالية، أو ما يُعرف بـ«أوباما كير» ضمن حركة «حماية المريض ورعاية بأسعار ممكنة» Patient Protection and Affordable Care Act (ACA). وهو البرنامج الذي نال الصفة القانونية بعد موافقة الهيئات التشريعية بالولايات المتحدة في عام 2010 في أعقاب ماراثون من مداولات استمرت لعدة أشهر آنذاك، وذلك ما بين مساندة الديمقراطيين ومعارضة الجمهوريين. ويعتمد البرنامج الإصلاحي للقطاع الصحي بالولايات المتحدة على إجراءات رئيسة يتحقق بموجب تطبيقها السير نحو الأمام في توفير مستوى أعلى من أنظمة تقديم الرعاية الصحية للمواطنين الأميركيين.

والبرنامج بالأصل مبني على أنه في الواقع الحالي، ثمة الكثير من نقاط الخلل التي تعيق وصول وتوفير خدمة صحية للمواطنين كما تعيق تطوير سوق تقديم الرعاية الصحية، وهو ما يجب إيجاد حلول عملية له. ونتيجة لذلك ظهرت هذه المبادرة لتطوير تقديم الرعاية الصحية. وعلى الرغم من نيله موافقة الهيئات التشريعية فإن مراحل التطبيق لا تزال تواجه صعوبات تلو صعوبات. وفي بداية يوليو (تموز) الماضي أعلنت الإدارة الأميركية أن أحد الإجراءات الرئيسة في البرنامج سيتم تأجيل تطبيقها إلى عام 2015 بدلا من 2014، وهو المتعلق بإجبار كل شركة يعمل فيها أكثر من خمسين موظفا على تأمين تغطية صحية لموظفيها تحت طائلة غرامة مالية تبدأ بألفي دولار عن كل موظف لكل سنة. وكان تأجيل التطبيق، الذي أعلن عنه نائب وزير الخزانة الأميركي، تحت ضغط الشركات، وقال في حينه: «سمعنا القلق الناجم عن تعقيد هذه الالتزامات لأرباب العمل وطلبات الحصول على مزيد من الوقت لتطبيقها، ونحن سمعنا طلباتكم ونتحرك على أساسها». والقانون في هذا الشأن يلزم الشركات إعداد نظام لتوثيق ما طبقته من إصلاحات، وما طلبت الشركات هو إعطاؤها مهلة من الوقت كي تتمكن من إعداد طلبات التغطية الصحية دون أن تكون معرضة لملاحقة جزائية، إضافة إلى تبسيط صيغة استمارات هذا التوثيق. وحينذاك، أبدى معارضو البرنامج تفسيرهم هذا التأجيل في التطبيق على أنه اعتراف بمساوئ البرنامج في صعوبة التطبيق وتكاليف ذلك، وهو ما عبر عنه زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ بالقول: «أوباما كير مكلف جدا، ولا يؤدي مهمته كما وعدت الإدارة ويجب أن يُلغى».

ولكن هذا التأجيل يظل خطوة تسكينية لذلك الجانب، ولكن من جانب آخر تشهد بداية عام 2014 استحقاقا آخر ضمن الإجراءات الرئيسة، وهو جعل الحصول على التأمين الصحي إلزاميا لكل المواطنين الأميركيين، وتحت طائلة دفع غرامة، اعتبارا من أول يناير (كانون الثاني) 2014. وهو ما تسبب إقراره مزيدا من الجدل حول مدى موافقته أو مخالفته للدستور، الأمر الذي تطلب العرض على المحكمة الدستورية العليا، التي أقرت صلاحية هذا الجانب وأصدرت حكمها الخاص بذلك في عام 2012. ومن ضمن الحلول لتسهيل التطبيق لأولئك الذين لا تأمين صحيا لديهم، كالعاطلين عن العمل أو غير القادرين على تكاليف التأمين الصحي الخاص وغيرهم، تم توفير نوع آخر من التأمين الفيدرالي المدعوم، وبالإمكان التسجيل فيه عبر موقع إلكتروني حكومي خاص به. ووفق ما سبق إقراره، يبدأ التسجيل في هذا النوع من التأمين مع مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لهذا العام.

وأثار هذا الجانب ردودا من الآراء المتباينة، وعلى سبيل المثال نشرت نحو سبعين مجموعة دينية، يقودها مؤتمر الأساقفة الكاثوليك، رسالة مفتوحة تنتقد باسم انتهاك الحرية الدينية ما اعتبروه تهديدا لها، بداعي أن ذلك التأمين يتضمن فرض رسوم اشتراك لتغطية نفقات الإجهاض كإحدى تبعات تطبيق التأمين الصحي الإلزامي على كافة المواطنين.

وفي البرنامج الذي تطرحه «أوباما كير» يتم التركيز على تكوين «سوق التأمين الصحي» Health Insurance Marketplace كمجموعة من خطط الرعاية الصحية الموحدة التي تنظمها الحكومة الأميركية والتي تمكن الأفراد من شراء التأمين الصحي والحصول على إعانات فيدرالية لإتمام ذلك، وفي نفس الوقت توسيع استفادة قطاع التأمين الصحي. وبينما يبدو أن هذا المفهوم لتطوير التبادل في الاستفادة من التأمين الصحي من ركائز مبادرة إصلاح نظام الرعاية الصحية التي تضمنت حزمة من المنافع الأساسية بأسعار معقولة لعموم الناس، ما يوسع سوق التأمين الصحي ويجعل أيضا سوق الرعاية الصحية أكثر قدرة على المنافسة.

والواقع أن تطورات تطبيق هذا البرنامج هي أحد الجوانب التي تستحق المتابعة ضمن ما تعايشه الأوساط الطبية العالمية من برامج لتطوير أنظمة تقديم الرعاية الصحية وإدخال مفاهيم توفير الرعاية الصحية وسلامة المرضى، وهو ما يسير جنبا إلى جنب مع تطورات واكتشافات الطب الحديث في معالجة الأمراض وصناعة الأدوية الجديدة والدراسات الطبية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]