مغالطات صحافية

TT

اضطررت للعودة لأخطاء بعض الصحف والشبكات البريطانية في تغطية أحداث مصر.

وقد بدأت أخصص مساحة في «البلوغ» الخاص بي لتحليل الأخبار بأدوات من قواعد إرشادات التحرير Editorial Guidelines لمفوضية الشكاوى الصحافية Press Complaints Commission وإرشادات هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي بي سي».

فالتغطية لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على العلاقات المصرية البريطانية وعلى مصالح بريطانيا في المنطقة لوقوف معظم الشعوب العربية مع المصريين في حربهم ضد الإرهاب؛ شعوب رفضت الإسلام السياسي خشية غزو آيديولوجيا الإخوان وتنظيمهم الدولي السري لبلدانهم بعد سقوط الجنود المصريين في سيناء أو رجال البوليس والمدنيين المصريين ضحايا للإرهاب المرتبط بالجماعة.

ورغم أن «الغارديان» والـ«بي بي سي» (كانتا الأسوأ من حيث الأخطاء المهنية ومغالطة تقديم الصراع على أنه بين الإخوان والجيش تغييبا للشعب المصري) قادتا المغالطة في التغطية، فإن بقية الصحف انساقت وراءهما لأسباب عدة أهمها الكسل في البحث، والاعتماد على شباب وشابات حديثي التخرج بلا خبرة صحافية حقيقية. أكثرهم لم يحصل على بطاقة المراسل الأجنبي من مصلحة الاستعلامات المصرية. ومصر ليست استثناء، بل كل بلدان العالم تقريبا تمنح البطاقة للمراسل الأجنبي شرط أن يكون صحافيا معتمدا يحمل بطاقة جهة عمله، وعضوية نقابة الصحافيين في بلاده.

لم يحمل هؤلاء الشبان والشابات وثائق تسهل استخراج بطاقة المراسل الأجنبي التي يصدرها مكتب خدمات المراسلين في أقل من ساعة. البطاقة كبيرة بحروف واضحة بثلاث لغات تعلق على الصدر كدرع حماية مثل راية الإسعاف الطبي في الحروب – لتعرف الأطراف المتنازعة أنك صحافي محايد لا ناقة لك في الخلاف ولا حتى عنزة صغيرة.

وبلا بطاقة المراسل، توجه معظم الشباب الطامح للقفز على سلم عالم الصحافة إلى اعتصام الإخوان في مسجد رابعة العدوية أو النهضة، ونادرا ما ذهبوا لمكان آخر. فجاءت تغطيتهم من مصدر واحد هو جهاد الحداد، وكيل بروباغندا الإخوان. وهو خطأ مهني لا يغتفر في تغطية قصة صحافية معقدة تتشابك فيها مصالح الأطراف وشكاواهم؛ ولها أبعاد تاريخية، وتتقاطع خطوط أجهزة الدولة مع حكومة انتقالية مؤقتة، وحكومة سقطت إلى جانب عشرات من التيارات والأحزاب السياسية كثيرها ليس مع الحكومة المؤقتة أو الساقطة.

هؤلاء الشباب، وهم بالعشرات، يتسابقون على ركوب قطار عرباته لا تتسع للجميع (فلا يهتم بالأخبار الخارجية من الصحف البريطانية القومية الإحدى عشرة إلا خمس) يريدون جذب انتباه الديسك الخارجي في لندن، فيبالغون ويضخمون من أهمية القصة الصحافية التي يحاولون بيعها كـ freelance مراسل حر غير مرتبط بأبخس الأثمان، أو مجانا مقابل ظهور الاسم في صحيفة بريطانية كبيرة (الغارديان – وخسارتها 149 مليون جنيه في العام الماضي على الموقع والإندبندنت المشهرة على الإفلاس - لا تدفعان شيئا للنشر).

الأزمة الاقتصادية غيبت المخضرمين عن صالات أخبار يديرها قليلو الخبرة فتثير المبالغات اللعاب والخبر الطيب ليس بخبر (فعدم انطفاء أضواء برج إيفل ليس بخبر؛ أما «هل كان إرهابيون وراء انقطاع كهرباء مترو باريس؟» فعنوان يزيد التوزيع).

بعد مغادرة مراسلين لهم بعض الخبرة القاهرة بقي الشباب العديم الخبرة، ولذا تجد معظم أخبار مصر في الأسابيع الأخيرة سلبية، ومبالغا فيها، وغير دقيقة.

المصريون ليسوا استثناء بين شعوب أفريقيا والشرق الأوسط في اعتقادهم (خطأ) أن «بي بي سي» والصحف الأشهر تاريخيا، كـ«التايمز» مثلا، تعكس وجهة النظر الرسمية البريطانية. الأخطاء المهنية تستفز مشاعر المصريين ومؤيديهم من غالبية الشعوب العربية، فتترك في نفوسهم أثرا سلبيا تجاه بريطانيا. والتغطية غير المسؤولة لها عواقب وخيمة. ورغم أننا بحاجة لدراسة إحصائية كمية واستطلاع نوعي للرأي، لكن من حوارات أولية، وثلاث حلقات نقاش استنتجت أن تغطية أظهرت الإخوان كضحية بريئة والمغالطة بأن الجيش خطط للانقلاب (أكذوبة روجتها صحافة اليسار فلم أصادف صحافيا أو مسؤولا بريطانيا واحدا – خارج نفر محدود في وزارة الدفاع - كان سمع باسم الفريق السيسي قبل ثورة 30 يونيو/ حزيران) خلقت لدى الإخوان انطباعا خاطئا بأن الغرب يقف معهم وسيتدخل بقوة في مصر لإعادتهم للحكم. انطباع أدى إلى رفضهم السير في خارطة الطريق التي قبلتها التيارات السياسية المصرية والأزهر والكنيسة مما أسفر عن سقوط ضحايا. وهو ما كررت الإشارة إليه في «البلوغ»، الذي امتلأ بتحليلات عن الأخطاء المهنية في التغطية.

الشهر الماضي اشتكى المكتب الصحافي المصري لمفوضية الصحافة من خبر في صحيفة بريطانية كبيرة انتهك الإرشادات الصحافية في بند توخي الدقة في موضعين.

الأول حكم قضائي بمخالفة «الجزيرة مباشر مصر» (وثلاث قنوات أخرى) للوائح هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية لعدم حصولهم على تراخيص البث القانونية، حيث وصف تقرير المراسلة الحكم «برقابة من الحكم العسكري» رغم القضايا التي رفعها مجموعة محامين وقنوات منافسة (تدفع اشتراك الترخيص بعكس الجزيرة وأخواتها) قبل أحداث الصيف وسقوط حكم الإخوان بتسعة أشهر. الثاني أن الصحيفة لم تبحث في المعلومات التاريخية فكررت المغالطة التي بثتها الـ«بي بي سي» وهي خرافة أن جماعة الإخوان منعت من النشاط عام 1954. والحقيقة أن الحظر كان بقرار محكمة عام 1948 بعد إدانة المحكمة الجنائية الجماعة في اغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا؛ أي أنها كانت محظورة بالفعل عام 1954 والمفارقة أنها عادت للنشاط عام 1954 عقب قرار المحكمة الإدارية بتسجيلها في وزارة الشؤون الاجتماعية كجماعة خيرية معفاة من الضرائب نشاطها الدعوة والإصلاح تستثنى من حل الأحزاب.

المضحك في بليته كان رد محرر الشؤون الخارجية في الصحيفة على استفسار مفوضية الصحافة. بدلا من الوعد بإصلاح خطأي المعلومتين، قال: إن شكوى المكتب الصحافي المصري منقولة من فقرات من بلوغ «المدعو» عادل درويش، ويريد أن يعرف ما إذا كان السيد درويش يعمل عند الحكومة المصرية.

ولأنه لا يوجد ديسك خارجي في صحيفة بريطانية واحدة يجهل هوية صحافي عمل لقرابة نصف قرن في شارع الصحافة البريطانية؛ وأحد أفراد مجموعة تعد على أصابع اليد الواحدة يعرفون بأنهم أكثر صحافيي البلاد خبرة بالشرق الأوسط وأفريقيا في البلاد فذلك مؤشر مؤسف على تدن مهني.

مفوضية الصحافة تهتم بشكاوى الأفراد أكثر من الاهتمام بشكاوى هيئات دبلوماسية، والأفضل ألا يترك المصريون وأصدقاؤهم العرب في بريطانيا الأمر للمكاتب الصحافية، بل يتابعون ما ينشر ويبث ويقدمون الشكاوى (للمطبوعات موقع الشكوى http://www.pcc.org.uk/complaints/makingacomplaint.html) مع الإشارة إلى خطأ مهني محدد في دقة المعلومة في الخبر المعني. بالنسبة لتقديم الشكوى للـ«بي بي سي» وبقية الشبكات الأخرى فالتفاصيل على بلوغ www.insideUkPolitics.com