البحرين: حوار أم تفاوض؟

TT

جاءت مبادرة حوار التوافق الوطني في مملكة البحرين بدعوة من الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وذلك بهدف تحقيق الانسجام والوئام الوطني، للتوصل إلى قواسم مشتركة تحقق آمال الشعب البحريني في السلم والعدالة. ويأتي هذا الحوار تحقيقا لتطلعات التوافق الوطني حول قضايا شاملة، من شأنها الاستمرار والدفع بعجلة الإصلاح والتنمية الشاملة في مملكة البحرين، في ظل الوحدة الوطنية للشعب البحريني وقيمه المجتمعية. وقد كلف العاهل البحريني، رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني مهمة رئاسة حوار التوافق، للعمل على تفعيل آليات الحوار وتشجيع المشاركة فيه، عبر الانفتاح على جميع وجهات النظر.

وليست هي المرة الأولى التي يطلق فيها ملك البحرين مبادرة للحوار، إذ بعد أحداث البحرين، فبراير (شباط) 2011، أطلق الملك حمد بن عيسى آل خليفة دعوة للحوار في البحرين، وشارك في الحوار أطراف كثيرة، بما فيها من تسمي نفسها «المعارضة»، ونفذ توصيات لجنة بسيوني لتقصي الحقائق، وبعدها حدث تأزم آخر للوضع الداخلي في البحرين، وأطلق الملك دعوة أخرى لحوار التوافق الوطني، بيد أن هذه «المعارضة» كانت ولا تزال تفهم الحوار بمفهوم التفاوض، وهي تدرك هذا الشيء، ومن المعروف أن هناك فرقا بين الحوار والتفاوض؛ فالحوار يكون بين أطراف لها أهداف مشتركة، وتربطها مصالح واحدة، وبالتالي الحوار هو فهم كل طرف للآخر، بينما التفاوض يكون بين أطراف ليس بالضرورة أن يكون بينها أهداف مشتركة، ويكون فيه تنازلات للوصول إلى أرضية مشتركة، ولذا فإن الفرق كبير بين الحوار والتفاوض. إن أسلوب الحوار مهم جدا بين الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني، حيث لا يجوز هنا استخدام تعبير «التفاوض». فالشعوب «تتحاور»، بينما الحكومات «تتفاوض».

الحوار هو لغة العقلاء ومنطق الحكماء ومنهج القادة العظماء منذ فجر التاريخ، حيث إن أي حوار لا يبدأ من فراغ، إنما يجب أن تكون هناك قواسم مشتركة بين أطراف الحوار، وخاصة إذا كانت هذه الأطراف يجمعها وطن واحد ومصير مشترك. وعندما نطبق هذا المبدأ على البحرين، يجب أن لا يكون هذا الحوار منفصلا عن الأزمة التي حدثت في البحرين، حيث دعت البحرين إلى الحوار من دون شروط مسبقة، وذلك عندما ظهر ولي العهد الأمير سلمان بن حمد على شاشة تلفزيون البحرين، في يوم 18 فبراير، وأعلن عن فتح أبواب الحوار لجميع مكونات المجتمع، ولكن للأسف لم يجر التجاوب من قبل من تسمي نفسها المعارضة، وهي التي قادت الأحداث في البحرين.

وقد جاءت هذه الدعوة للحوار للتوافق الوطني في البحرين، لتؤكد النهج الذي اختطه الملك حمد بن عيسى منذ مجيئه للحكم، والذي بدأه بمشروعه الإصلاحي، الذي يهدف منه إلى إيجاد المجتمع المدني، الذي هو بدوره له جذوره في البحرين، ومن جانب آخر، يجب أن تعي بعض الأطراف التي تشترك في الحوار، والتي لها أجندة تُملى عليها من أطراف خارجية لم تعد تخفى على أحد، أن للحوار قواعد يجب أن يلتزمها الجميع، أولها أن الحوار ليس على الأهداف العليا للوطن، وإنما على الوسائل لبلوغ هذه الأهداف العليا، التي لا مساس بها، أهمها أن ليس هناك من شعب البحرين من يساوم على عروبة البحرين وشرعية النظام السياسي القائم فيها، الذي ارتضاه الشعب، وعبّر عن ولائه له، الذي ظهر جليا وواضحا في الأحداث الأخيرة التي مرت بها البحرين، والذي تبلور في تجمع الوحدة الوطنية، الذي بدوره كان الرقم الأصعب الذي لم تستطع الأطراف التي دبرت الأحداث في البحرين اجتيازه أو تجاهله، وهو الذي أفشل مخططها، وهي تعلم تماما أن أي إقصاء لهذا الطرف في الحوار بأي شكل من الأشكال يعني فشلا للحوار قبل أن يبدأ.

الحقيقة الثانية التي يجب أن تعيها من تسمي نفسها «المعارضة» أن البحرين لها انتماؤها العربي الإسلامي، وأنها تحكمها اتفاقيات ومعاهدات مع شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، الذي هو العمق الاستراتيجي للبحرين، وأن مصلحة البحرين من مصالح هذه الدول الخليجية، التي تشكل كيانا سياسيا واحدا، وأن المملكة العربية السعودية بمثابة الأم لهذا الكيان، وأن رباطنا، وخاصة نحن في البحرين، مع السعودية قيادة وشعبا هو رباط لا يمكن المساس به، وعهد راسخ لا يمكن التحول عنه.

الحقيقة الثالثة التي يجب أن تعيها الأطراف التي تشترك في الحوار هو أن البحرين تعرضت وما زالت إلى مخطط توسعي، الذي هو من أحلام حكام الملالي في إيران، والذي مد نفوذه من سوريا إلى لبنان والعراق وفشل في مصر بعد الثورة الثانية، وهو يريد الآن أن يلتف على دول الخليج العربي لكي يكتمل مثلثه، وهذه حقيقة لم تعد تخفى على أحد منذ إيران «الشاه» وإيران «الخميني» وإيران «خامنئي»، حيث كانت وما زالت لها أطماع في البحرين، وما قاله حسين شريعة مداري، مندوب مرشد الثورة الإيرانية في مؤسسة «كيهان» الصحافية، لصحيفة «القبس» الكويتية، في عام 2007، معروف، وينم عن ادعاءات دفينة.

إن الحوار الوطني ليس بالشيء الغريب على البحرين، بحكم أن شعب البحرين لديه من الوعي السياسي ما يمكّنه من خوض غمار هذا الحوار، والوصول بالبحرين إلى بر الأمان، والدليل على ذلك هو التفاعل الشعبي مع المشروع الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة، والتصويت على الميثاق. لا تخافوا على شعب البحرين الذي يملك عقولا متفتحة تفهم قواعد اللعبة، وسوف يكشف هذا الحوار الوطني جانبا مهما من الأحداث الأخيرة في البحرين، ويرفع الستار عن حقائق مهمة كانت مغيبة عن الدول والمنظمات الدولية التي تبنت موقفا سلبيا، فامتزج بكثير من المغالطات، التي نجحت في تمريرها بعض وسائل الإعلام الخارجية المحسوبة على جهات أجنبية، لها مصالح خاصة في تأجيج الموقف السياسي في البحرين، مستغلة بعض الاضطرابات التي حدثت في الوطن العربي.

خلاصة الأمر أن المشكلة الكبرى لدى «المعارضة» التي تشترك في الحوار الدائر الآن في البحرين، والتي يُشك في أنها تمتلك بيدها ما عليها أن تقول أو لا تقول، وبالتالي لا حوار مع من لا يملك القرار، وذلك هو السبب الجوهري الذي يعطل الحوار في البحرين.