خواطر صينو ـ عربية

TT

هناك دول تناقش سياساتها الداخلية والخارجية أمام جميع شعبها وجميع الأمم. لذلك تعرف الأمم الأخرى كيف تبني سياساتها ومواقفها حيالها. العالم أجمع عرف أن أوباما سوف يضرب، ثم عرف أن أوباما لن يضرب، لأن سوريا استعجلت تسليم ترسانتها النووية إلى أقرب مخفر دولي. وعرف العالم أن فرنسا هولاند متحمسة في سوريا، مثل فرنسا ساركوزي في ليبيا. طبعا لا تكشف الدول جميع أسرارها ونواياها، لكنها أيضا لا يمكن أن تخفي جميع أسرارها ونواياها.

إليك إيران: من يستطيع الإجابة عن سؤال حول حقيقة السياسة الروحانية: هل هو معتدل حقا أم مناور؟ هل هو رئيس منتخب أم رئيس في مكتب المرشد؟ هل له صلاحية وقوة زعيم الحرس الثوري قاسم سليماني، أم أنه لا يملك حتى صلاحية استدعائه؟

كل إنجازات الجمهورية الإسلامية سلبية. صحيح أنها تُقلق الخليج كله لكنها لم تُحقِّق حتى اليوم نموا واحدا لشعبها يستحق الذكر. وصحيح أنها ترعب إسرائيل لكنها لم تدعم في فلسطين مشروعا يدر ليرة واحدة على أيتامها. وصحيح أنها تصنع صواريخ باليستية لكن صناعاتها الأخرى - عدا السجاد - لا تنافس دبي.

تذكِّرُنا إيران بالصين. كانت الصين تقرأ أشعار ماو وتنادي بالثورة وترتدي طقما واحدا بلا ربطة عنق رأسمالية رجعية ذيلية إمبريالية انحرافية. وكانت مغلقة. وبين حين وآخر تجرِّب قنبلة نووية. وكانت سياساتها غامضة لا تُقرأ. وكانت تعادي أميركا والاتحاد السوفياتي وأوروبا وتتمتع بصداقة كيم ايل سونغ وأنور خوجا في ألبانيا. وبس.

كان موقعها الاقتصادي والمدني والإنساني في جوار زيمبابوي وغينيا الجديدة. الصين «الواضحة» التي تتصرف كسائر الأمم لا يخافها أحد، ولا يثير غموضها فضول أحد، لكن الصين الواضحة هي الدولة الثانية في العالم، وفي طريقها إلى أن تكون الأولى، بعد 40 عاما فقط من انضمامها إلى سلك الدول العادية.

ترسل الصين أسطولها إلى بحر العرب والمحيط الهندي لحماية خطوطها النفطية وليس لعرض عضلات سقيم، أو مضحك أحيانا. فهي تدرك أن منافسة أميركا في الميزان العسكري ليست واردة قبل ثلاثين عاما على الأقل، فلا تهدر الوقت ولا المال ولا راحة شعبها. تعلَّمت من تجربتها وتجربة سواها. رأت ماذا حصل للنموذج السوفياتي، وإلى أين وصل النموذج الكوري الشمالي على حدودها. هذه لا تزال في عصر ماو، يحكمها فتى مبجل دائم الابتسام مع أن أحدا لا يعرف لماذا. وماذا في بلده يدعو إلى ذلك. ومن حين إلى حين يتسلى بصاروخ على مياه اليابان أو يهدد أميركا بحرب نووية. ثم يغيب - والحمد لله - حتى ظهوره في صورة أخرى، خلف مدفع أو إلى جانب مغنية سعيدة. ويعتبر ظهور صاحبة السعادة حدثا قوميا.