التخويف بالتغير المناخي

TT

قبل أسبوع نشرت الـ«IPCC»، هيئة مراقبة متابعة التغير المناخي المتعددة الحكومات (The Intergovernmental Panel on Climate Change)، والتي تتبع الأمم المتحدة؛ آخر تقاريرها لدراسات 259 «من علماء المناخ والبيئة». ومثل سابق تقارير الهيئة حذر التقرير أنه «بلا تخفيض أساسي ومستمر» في عادم المحروقات «المتسببة في الاحتباس الحراري» (ظاهرة بيت النباتات الزجاجي) فإن العالم سيشهد طقسا متقلبا بظواهر خطيرة.

الطريف أن الهيئة التي ظلت لثلاثة عقود تحذر من ارتفاع الحرارة والتي تنبأت بانصهار قمم الجبال الثلجية (وهو ما لم يحدث) غيرت النغمة. تنبأت بازدياد بريطانيا برودة، وبلدان المدار الاستوائي حرارة. أهي مصادفة أن يخيف التقرير الناس بما يخشونه: برودة المناطق الباردة، وارتفاع حرارة البلدان الحارة؟ وما هي الأدلة العلمية؟

تعرض هذا الجيل لغسيل مخ جماعي متعدد اللغات وعابر للثقافات حول آيديولوجية البيئة إلى عقيدة جديدة تقدسها جماعات الخضر والتيارات اليسارية كأنها ديانات.

من يجرؤ على إبداء الشك أو يتساءل عن البراهين العلمية لمسؤولية النشاط الإنساني عن تغير المناخ، يتعرض للاتهامات التي قصف بها كرادلة الفاتيكان غاليليو عندما استخلص من تجارب الفيزياء الطبيعية أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس، وفق الجهل الميتافيزيقي لإيمان العصور الوسطى.

تقارير «IPCC» السابقة استغلتها جماعات البيئة والخضر لتضغط على الساسة. أكبر أدوات الضغط مؤسسات وتنظيمات إقليمية غير ديمقراطية - غير منتخبة، في غياب آليات لمحاسبتها أو إنقاص نفوذها؛ فهي مستقلة عن البرلمانات القومية وخارج تأثير صناديق الاقتراع المباشر؛ كمنظمات الأمم المتحدة، والأخطر منها مفوضية الاتحاد الأوروبي غير المنتخبة التي تفرض لوائح إجبارية تؤثر على مواطني 26 بلدا، وعلى سكان بلدان تتعرض للابتزاز الاقتصادي بمعونات أوروبية.

استغلت الحكومات العقيدة البيئية الجديدة عقب كل تقرير من «IPCC» لفرض ضرائب بيئة يدفعها الكادحون؛ واستمالة الجماعات اليسارية (كلهم أبناء الشريحة الميسورة من الطبقات الوسطى، العالية الصوت المؤثرة على الرأي العام)، بمشاريع خضراء تصلح لاسكتشات الكوميديا ومسرح العبث أكثر منها للحياة العملية. وعلى سبيل المثال لا الحصر إنتاج الطاقة من طواحين الهواء (المستفيد الأكبر ملاك الأراضي يتلقون آلاف الجنيهات إيجارا سنويا لنصب الطواحين). ولاستحالة التحكم في هبوب أو سرعة الرياح فإن كل توربين هوائي يتطلب محطة توليد كهرباء تعمل بالغاز (stand by) احتياطية تبقي شعلتها الأساسية (pilot-light) متوهجة دائما لتشغل مولدات الكهرباء فورا عند انخفاض سرعة الرياح حتى لا تتعطل القطارات ومصاعد العمارات وأجهزة إبقاء المرضى على قيد الحياة في المستشفيات التي تغذيها محطة توربينات الرياح. وهذا يجعل ثمن إنتاج كيلوات الكهرباء من طواحين الهواء اثني عشر ضعف تكلفة الغاز الطبيعي أو الزيت، وتسعة أمثال ثمن إنتاجه من الطاقة النووية.

ومن يدفع فارق الثمن الباهظ؟

الدعم.

الدعم يعني دافع الضرائب، وهو ما لا يقبله الناخب في الديمقراطيات الغربية.

البديل؟

تعليمات الاتحاد الأوروبي والقوانين العبثية التي أصدرتها البرلمانات تحت الابتزاز العاطفي لجماعات البيئة، مستغلة تقارير الـ«IPCC» المغلفة بأسلوب علمي، كانت المخرج. إلزام شركات توفير الطاقة للمستهلك بالاستثمار في مشاريع عبثية تصلح لأفلام الخيال العلمي لا الحياة اليومية كتوليد الطاقة من أمواج البحر، وأشعة الشمس في بلاد ساعات الظلام والغيوم فيها أضعاف ساعات النهار أو من الرياح.

الشركات ليست مؤسسات خيرية بل منشآت غرضها تحقيق أقصى الأرباح لحملة الأسهم، فتضيف تكاليف المشروعات الباهظة إلى فواتير المنازل. رب الأسرة تناقص دخله الفعلي في السنوات الأخيرة ما بين الخمس والربع (انخفاض سعر العملات كلها مقابل الغطاء الذهبي)، بينما ارتفعت تكاليف المعيشة بأكثر من الثلث. وتجد الأسر نفسها مثقلة بفواتير تدفئة وإنارة ازدادت ما بين الربع و40 في المائة لتمويل ما يسمى بالاستثمار في الطاقة الخضراء. بينما تستغلها أي جهة قادرة على تحصيل الرسوم لزيادتها على المواطن (ضرائب رسم الطريق، وبنزين السيارة عليه ثلاثة أنواع من الرسوم، ورسم يومي للقيادة داخل المدن، ورسم سنوي لركن السيارة أمام المنزل يرتفع حسب حجم المحرك)، آخرها تحصيل السوبر ماركت خمسة إلى عشرة بنسات ثمن كيس بلاستيك تعبئة المشتريات (كيف يحمل الأفندي الخارج من المكتب مساء فاكهة أو حلويات لأولاده أو حاجات طلبتها زوجته أو عشاءه إذا كان أعزب للدار.. في جيوبه مثلا)؟

المستفيد طبعا أقلية من الطفيليين الذين لا يسهمون في الاقتصاد بإنتاج سلع للتصدير أو تقديم خدمة تضيف قيمة نقدية أو مادية للمجتمع.

الخلاصة أن تقارير الهيئة التابعة للأمم المتحدة هي أكبر حملة مستمرة يشهدها القرن الـ21 على البسطاء الذين تمول ضرائبهم هذه الفانتازيا. ما هي هذه الأدلة العلمية التي يقول تقرير «IPCC» إنها تؤكد بنسبة 95 في المائة أن التغير المناخي من صنع الإنسان؟

منذ أن وضع السير إسحق نيوتن أسس العالم الحديث، وسواء باستير أو فلمنغ أو علماء ناسا، لا يوجد عالم حقيقي يستطيع أن يجزم مائة في المائة بأنه توصل إلى الحقيقة. أي عالم يحترم العلم ونفسه يقول هذه هي الأدلة والبراهين التي توصلنا إلى استخلاص نتيجة معينة أو كانت أساس هذه النظرية؛ وطبعا تظل النتائج قائمة إلى أن يثبت العكس بأدلة علمية جديدة، ودائما الباب مفتوح للخطأ أو لنظرية جديدة. رئيس هيئة «IPCC» يحمل دكتوراه، لكنها في الاقتصاد وليس العلوم، وبالتحديد اقتصادات السكة الحديد، وكان مهندسا في الهند أي أنه ليس عالما في مختبرات العلوم ولم يدرس أو يتدرب على علوم المناخ والبيئة. وبما أن أي براهين علمية تخالف توقعات الهيئة تعني حلها فلا نتوقع أن نتصور أن يأتي تقريرهم الأخير أقل بثا للرعب من سابقه (عندما لم ترتفع الحرارة طوال 15 عاما فسروا ذلك بأن المحيطات امتصتها بلا أدلة علمية تثبت ذلك). ولذا تستمر الهيئة في إطلاق التحذيرات وقض مضاجع الناس واستغلال نصف الحقيقة العلمية لضغط زر الشعور بالذنب في كل مرة تشعل فيها الزوجة موقد الطهي.

وسؤالي للهيئة: إذا كانت المحروقات الكربونية، كالبترول، التي تشغل المصانع والطائرات والسيارات هي المسؤولة عن تغير المناخ من تسونامي اليابان إلى فيضانات المكسيك والميسيسيبي، فما الذي تسبب في الفيضانات التي سجلها التاريخ عبر آلاف السنين قبل اكتشاف الفحم أو اختراع الإنسان للعجلة؟