بعد خطاب روحاني: اتفاق نووي بلا تطبيع للعلاقات مع الولايات المتحدة

TT

منذ أزمة الرهائن التي مضى عليها 34 سنة، جعل النظام الإيراني الولايات المتحدة جزءا محوريا من سياسته الداخلية والدولية. وتعني مسألة تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة أنه سيتعين على النظام حرمان نفسه من هذا الجزء المحوري، وبالنسبة للفصيل - الذي لا يزال يحتفظ بقوته داخل مؤسسة الرئاسة - فإن تطبيع العلاقات سيكتب نهاية النظام، ومن ثم، فإنهم سيحاولون معارضة ذلك بشتى الطرق التي تتسنى لهم.

لكن هناك احتمالية حقيقية لإبرام اتفاق قابل للتفاوض فيما يخص البرنامج النووي الإيراني.

يمكن أن يكون المفتاح لفهم عملية تحول وتغير موقف الرئيس حسن روحاني أمام الأمم المتحدة وتناقضاته متمثلا في السلوك السابق الذي اتبعته إيران. وبشكل عام، فإن محادثات روحاني واللقاءات التي أجراها أثناء زيارته الأخيرة إلى نيويورك توضح مرة أخرى أن السياسة الخارجية في إيران هي التي تملي السياسات الداخلية وليس العكس. ولقد استخدم النظام الأزمة الدولية بشكل دائم لتعزيز سيطرته الداخلية إلى أن فاقت التكاليف المكاسب.

ومنذ الأيام الأولى من الثورة، دائما ما يعمل النظام الإيراني على دفع هذه الأزمة نحو نقطة لا يمكنه الاستمرار بعدها مرة ثانية، ثم أنهى النظام ذلك من خلال «شرب كأس سم الهزيمة» (وهو المصطلح الذي استخدمه آية الله الخميني عندما وافق على إنهاء الحرب مع العراق).

ولقد رأينا هذا الأمر في أزمة الرهائن حين رفض رجال الدين الذين يتولون مقاليد الحكم إبرام اتفاق مع جيمي كارتر، وهو أمر لو حدث لكان مفيدا للغاية للدولة، وقاموا بإبرام اتفاق - متأخر للغاية - مع رونالد ريغان - وهو الأمر الذي كلف الدولة مليارات - بصرف النظر عن تهيئة الظروف الدولية للهجوم العراقي على إيران. كذلك، رفض أيضا رجال الدين الحاكمون وحلفاؤهم من الحرس الثوري إنهاء الحرب مع العراق عندما كانت الكلمة العليا والسيطرة للقوات المسلحة. وعوضا عن ذلك، فقد مضوا قدما في هذا الأمر حتى انتهى الحال بهم إلى الهزيمة وتدمير جيل في حقول الألغام، بالإضافة إلى تكبد الدولة تكاليف تقدر بالمليارات. ووفقا لتقدير صادر عن الاتحاد الأوروبي، كبدت مواجهة الأسلحة النووية الحالية، وفي ظل العقوبات الأكثر صرامة، الدولة نحو 700 مليار دولار. وفي تقديري تقدر التكلفة بآلاف المليارات بشكل مذهل.

لقد أظهر خطاب روحاني أمام الأمم المتحدة إشارات قوية على أن النظام وجد نفسه في نفس الموقف مرة أخرى. وسيتعين على الدولة في الفترة الراهنة أن تدفع ثمن سياساتها الكارثية، ويسعى روحاني إلى احتواء الضرر وتغيير المسار حتى يتسنى لدولته المضي قدما نحو الأمام.

ورأينا ذلك الأمر في الخطاب - وهو نفس الأمر الذي أوضحه المرشد الأعلى لإيران - حيث كشف الخطاب النقاب عن المخاوف المتأصلة بشدة داخل النظام.

كان من بين المخاوف التي عبر عنها الخطاب الاعتراف الصريح بالتأثير الشديد للعقوبات في الإضرار بالاقتصاد. ويتمثل أحد المخاوف الأخرى في الاعتراف بأن عامل «الوقت» لا يصب في مصلحة إيران. ويعد ذلك هو السبب وراء إشارة روحاني إلى رغبته في التوصل إلى اتفاق في غضون فترة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر.

وقد ظهر مصدر الخوف الثالث عندما وصف روحاني النظام بأنه «القوة الإقليمية»، حيث كان ذلك واحدا من الإقرارات الجريئة التي تعد ضرورية لطمس الحقيقة. في واقع الأمر، ليس النظام الإيراني «قوة إقليمية»، ولكنه ضعيف تماما، ولا يغيب عن ذاكرة روحاني وزمرته أن إيران اضطرت لسحب مبالغ مالية ضخمة من اقتصادها الضعيف من أجل الحفاظ على مكانتها الجغرافية السياسية الحالية، ولا يمكننا أن نتناسى أن السبب الرئيس للوضع الاقتصادي الكارثي الحالي لإيران ليس العقوبات، ولكن بسبب القصور الكلي في عملية الإدارة، وكذلك الفساد المالي الشامل للحرس الثوري والأعضاء الآخرين داخل المافيا العسكرية - المالية، وإنفاق هذه الأموال على دول مثل سوريا وعلى حزب الله في لبنان.

تعد المحاولة الحالية لتغيير السياسة النووية لإيران هي آخر تحرك يائس من قبل نظام يسعى لضمان أن يكون أي طريق نحو التطبيع مصحوبا بضمان عدم اتباع الولايات المتحدة لسياسة تغيير النظام.

هناك سبب للثقة في صدق روحاني بشأن المسألة النووية. كانت محاولة النظام إنتاج قنبلة نووية - التي انتهت في سنة 2003 وفقا لتقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية - تهدف أيضا إلى ردع أي هجوم أميركي محتمل على إيران. وقد انتهت هذه المحاولة آنذاك بسبب أن مخاطر مواصلتها قد حلت محل مكاسبها المحتملة؛- حيث انتهى الأمر بالدعوة لتدخل عسكري بدلا من تفاديه.

لقد رأى روحاني هذا الأمر جليا بالفعل منذ عقد مضى. ووفقا لمذكرة السفير الفرنسي السابق لدى إيران، فرانسوا نيكولو، فإن أحد المقربين من روحاني قد أخبره أن الحرس الثوري كان منخرطا في عملية إنتاج قنبلة، ولكن روحاني قام بإيقافهم.

لا يأتي الخطر الذي يهدد أي تقدم مفاجئ في الوقت الحالي فقط من هؤلاء الأفراد داخل النظام الذين ينظرون إلى مسار نحو التطبيع عوضا عن حدوث أزمة باعتباره طريقة لفقدان قبضتهم على مقاليد السلطة. ولكن يأتي أيضا من نظرائهم الدوليين، وفي المقام الأول جماعات الجناح اليميني في إسرائيل والمحافظين الجدد في الولايات المتحدة الذين يعملون مثل «شرايين متصلة» مما يعمل على استمرارية الأزمة، حيث يغذون بعضهم البعض.

من خلال اتصاله الهاتفي مع أوباما الذي كان في طريقه خارج المدينة، حاول روحاني التملص من التناقضات الداخلية التي صاحبت تغيير السياسة. وعندما أراد أوباما أن يصافح روحاني كعرض سلام، رفض روحاني ذلك. وبعد عودته إلى إيران، ذكر روحاني أن اقتراح المحادثة الهاتفية كان مبادرة من مكتب أوباما، في حين ذكر المكتب عكس ذلك، وهو الأمر الذي جعل روحاني في موقف صعب عند عودته إلى بلده.

يوضح هذا العرض المتناقض للحقائق، وكذلك اللهجة المتضاربة لروحاني بشأن التوصل لحل وتحقيق السلام من جانب، ثم حالة الغضب والعدوانية من جانب آخر، أن هناك محاولة خطيرة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، مع تجنب إشعال غضب الحرس الثوري. ويحاول روحاني اتباع سياسة «المرونة البطولية» لآية الله الخميني الهادفة إلى الحفاظ على الاستقرار وذلك عن طريق إبقاء الفصائل المختلفة داخل النظام تحت السيطرة.

ستتحدد نتيجة هذا الصراع في النهاية في ضوء مواطن قوة وضعف خامنئي، في سعيه لتحقيق التوازن داخل الطبقة الحاكمة. ووفقا لطبيعة إيران وتاريخها في مرحلة ما بعد الثورة، فإن فرص تطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة ليست فرصا كبيرة للغاية. وفي نفس الوقت، تعد فرص التوصل إلى اتفاق بشأن المسألة النووية ممكنة.

* الرئيس الأول لجمهورية إيران الإسلامية، ويعيش حاليا في منفاه بفرنسا

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»