لمعارضي التقارب مع أميركا.. «استرخوا واشربوا سانديس»

TT

يعلم أكبر هاشمي رفسنجاني، كرئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام، مصلحة النظام أكثر من غيره، فالرجل كان مقربا من المرشد الراحل آية الله الخميني مؤسس الثورة، ولعب أدوارا رئيسة طوال تلك السنوات ولم يكل أو يتقاعد.

وما كان اختيار خامنئي كمرشد أعلى بعد موت الخميني ليتم ما لم يقف رفسنجاني في ذلك اليوم التاريخي بين أعضاء مجلس الخبراء للشهادة بأن آية الله الخميني وافق سرا على خلافة علي خامنئي بعد موته.

ربما كان من الصعب على آية الله العظمى المسن أن يختار علي خامنئي، رجل الدين الصغير السن والأصغر سنا من رئيس الجمهورية خليفة لآية الله الخميني، لكن ما الذي يمكنهم قوله بعدما زعم رفسنجاني ذلك.

عرجت على هذا التاريخ، والحدث الهام ليكون مقدمة للوصول إلى المرحلة التي نستعرض فيها وجهات نظر الشعب الإيراني تجاه رفسنجاني. فالأجيال الحديثة التي ولدت بعد الثورة وخاصة الجيلين الثاني والثالث يتشككون الآن بشأن نوايا هاشمي الفعلية طوال الوقت وموزعون بين الحب والكراهية لهذه الشخصية التي تتمتع بثقل كبير، وتعتمد في تصرفاتها على الحدث والتوقيت اللازم ومصلحة النظام.

كان آخر الأحداث الأخير، التي تدخل فيها لمصلحة النظام، قبل أيام من المحادثة التاريخية التي أجراها الرئيس روحاني مع نظيره الرئيس أوباما. فلم يكن النظام بحاجة إلى القيام بعمل فوري لإصلاح العلاقة، أكثر من العبارة الشهيرة «الموت لأميركا».

فبعد بضعة أيام من المحادثة التاريخية بين أوباما وروحاني، دخل هاشمي رفسنجاني في حالة من النشاط وكشف عن عبارات مهمة أخرى قال: إنها تعود إلى آية الله الخميني. فصرح لصحيفة «آرمان» الأسبوع الماضي: «كان آية الله الخميني موافقا على إلغاء عبارة (الموت لأميركا)».

وتحدث هاشمي رفسنجاني، في معرض حديثه مع الصحيفة حول أحدث كتبه «رسالة مباشرة» عن رأي آية الله الخميني بشأن الكثير من هتافات الموت والتي يأتي من بينها «الموت لأميركا» وأشار إلى أن آية الله الراحل كان يريد طوال الوقت التخلي عن هذا الهتاف.

بعد هذه التصريحات، بدأ الإيرانيون من أصحاب الحس الفكاهي في التندر على تلك التصريحات على صفحات الـ«فيس بوك» و«تويتر». وقال البعض: «ربما يقول هاشمي في وقت لاحق شيئا آخر مثير للجدل». على النقيض أبدى الآلاف إعجابهم بالتصريحات وسرعان ما جرى تداولها بكثافة على الإنترنت.

لكن ما أثار الدهشة هو أنه خلال الجمعة الأولى من أكتوبر (تشرين الأول)، الثانية منذ عودة روحاني من الولايات المتحدة، وبدلا من محاولة الخطباء منع الأفراد من الهتاف الموت لأميركا، قاموا بإضرام النار في العلم الأميركي وصورة أوباما أيضا.

لا تزال الجماهير الغاضبة ترفض أي فرصة لتطبيع العلاقات بين الدولتين حتى وإن اعتبر ذلك غير متوافق مع كلام آية الله الخميني. فلا يزال الكثيرون يرون في العداء للولايات المتحدة مصدر فخر وتمدهم بالمصداقية الثورية ومن دون هذا الهتاف «الموت لأميركا» ستخسر الثورة قيمها.

أميركا هي آخر الأعداء الذين وجدوا منذ الثورة وظلت في الصورة إذا لم نحص إسرائيل.

عندما كنت طالبة في المدرسة في مرحلة مبكرة من الثورة، كنا نحتاج شاحنة لحمل كل الهتافات والموت إلى هنا، وفي صباح كل يوم قبل الدخول إلى الفصل. بدأت الشعارات بالموت للمنافقين (مجاهدين خلق) وصدام، ثم أميركا والاتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة الذين يعادون المرشد الأعلى وكان الكثير منها ينتهي بعبارة الموت لإسرائيل. اليوم تقتصر العبارات على «الموت لأميركا وإسرائيل»، وكان من بين كل هذه الهتافات في صلاة يوم الجمعة والأعياد الوطنية مثل العيد السنوي للثورة.

وقد حذر الرئيس السابق محمد خاتمي من زيادة الغلو وعودة الإرهاب.

وقال خاتمي مشيرا إلى التجارب التي عاناها عندما كان رئيسا خلال حقبة الإصلاح ومستشاره سعيد حجريان الذي نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال: «يجب مواجهة التطرف وإلا فلننتظر الإرهاب». أصيب سعيد حجريان إصابات بليغة وفقد القدرة على المشي، وكان الأفراد الذين حاولوا اغتياله أعضاء في حركة إسلامية متطرفة، ويخشى خاتمي الآن من عودة الراديكالية بصورة قبيحة ما لم تجر مواجهة الأمر من قبل القيادة السياسية النافذة.

ربما سيكون من الصعب العودة إلى نقطة البداية مع ضغط روحاني الزر واشتعال محرك الصاروخ وبدأت عملية الإحماء للانطلاق بالفعل. فلا يمكن لإيران العودة إلى أيام معاداة الولايات المتحدة ولا حقبة البكيني لمحمد رضا شاه بهلوي. هناك حل وسط يتناسب وجمهورية إيران الإسلامية وآية الله خامنئي وعلى الرئيس روحاني البحث عن حل لتهدئة ثائرة غضب العامة وأن يطلب منهم الهدوء وشرب السانديس، شراب عصير العنب الشهير الذي يفضله الإيرانيون ويقدم عادة بصورة مجانية إلى مؤيدي النظام في المسيرات والاحتفالات العامة.