الغناء الوطني من ناصر إلى السيسي!!

TT

في تداعيات احتفالات ذكرى مرور 40 عاما على انتصار أكتوبر تعددت الأغنيات الوطنية التي تبثها مختلف الإذاعات والفضائيات، أصبحت الفرصة مواتية لكي نقارن الغناء من زمن ناصر إلى زمن السيسي، مرورا بالسادات ومبارك.. بالطبع في أثناء حقبة مبارك كانت الدولة تجند كل عناصرها من أجل العريس، أقصد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث كان وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف يطلب من الملحن الراحل عمار الشريعي أن يدلع في كل احتفالية العريس، تحولت أغانينا الوطنية إلى طبل وزمر ورقص وهتاف «اخترناه اخترناه».. مبارك كان مغرما بأن يضعه الإعلام في البؤرة باعتباره هو البطل الوحيد لملحمة أكتوبر، ولهذا مثلا منع عرض الفيلم الروائي «حائط البطولات» الذي يتناول بطولة سلاح الدفاع الجوي، لأنه كان يريد أن يصبح انتصار أكتوبر يساوي فقط سلاح الطيران، حتى أنه قبل رحيله بأيام قليلة كانت وزارة الإعلام تستعد لإنتاج فيلم «الضربة الجوية» الذي يروي دوره في تحقيق الانتصار ورشح بالفعل أحمد شاكر لأنه يشبهه لأداء دوره، والغريب أنه بعد تنحيته عن الحكم شرعت الدولة في إنتاج فيلم يكشف فساد 30 عاما من حكم مبارك وأيضا أسندوا دوره إلى أحمد شاكر!!

كان السادات أقل نهما في هذا الشأن حتى أنه في أشهر أغنية واكبت انتصار أكتوبر «عاش اللي قال» كان الكورال يردد بدلا من «عاش عاش عاش» اسم السادات ثلاث مرات، ولكنه طلب من عبد الحليم وبليغ حمدي إعادة تسجيل هذا المقطع وحذف اسمه من الأغنية.

أكثر الزعماء ربما في التاريخ الذين غنينا باسمهم هو بالتأكيد جمال عبد الناصر، أتذكر أنني سألت الإذاعي الكبير الراحل جلال معوض الذي كان قريبا من دائرة الحكم فقال لي، إن ناصر كان يضج من كثرة هذه الأغاني ولهذا في أحد الاحتفالات الوطنية كانت التنبيهات صارمة على الجميع وهي إياكم والغناء باسمه، التزم الجميع ثم جاء دور المطرب الكبير محمد الكحلاوي الذي كان كعادته يردد عددا من أغانيه الدينية وفجأة غير في الكلمات وأضاف اسم ناصر، ومن بعدها انفلت العيار وانطلق الجميع يهتفون باسم الزعيم!

كانوا يتسابقون في هذا المجال، مثلا أم كلثوم على مدى ساعة كاملة تردد «حققنا الآمال برياستك يا جمال» وتعيد وتزيد عشرات المرات في هذه الكلمات الركيكة ونكتشف أن الذي كتبها هو شاعر العامية الأول بيرم التونسي والذي لحنها هو عملاق الموسيقى الشرقية رياض السنباطي، بالتأكيد ليست كل الأغنيات التي ردد فيها الشعراء اسم عبد الناصر كانت مجرد هراء وخوف من السلطة، لا يمكن أن أصدق مثلا أن أغنية «إحنا الشعب إحنا الشعب اخترناك من قلب الشعب» و«يا جمال يا حبيب الملايين» و«ضربة كانت من معلم خلى الاستعمار يسلم» لا أصدق أنها أغنيات كاذبة.

عندما سألت الموسيقار الكبير كمال الطويل وهو على الأقل صاحب 90 في المائة مما ردده عبد الحليم حافظ من أغنيات وطنية؟ أجابني بأنه لم يشعر ولو لحظة واحدة أنه يلحن لعبد الناصر ولكن للوطن الذي تجسد في الزعيم، أصدق ما قاله الطويل، ولكن أغلب من قدموا أغنيات وطنية اعتبروها مجرد أكل عيش «سبوبة» بلغة هذه الأيام، كما أن هذا النوع من الغناء يضمن لهم حماية أدبية توفرها لهم السلطة، وهكذا مثلا تكتشف أن «شعبولا» صار هو صاحب الرصيد الأكبر من الأغنيات الوطنية التي يعلق بها على الأحداث السياسية في السنوات الخمس عشرة الأخيرة من أول «باكره إسرائيل» حتى «باكره أوباما»، ولم يسلم السيسي من كورس النفاق الغنائي وأشهر أغنية في الشارع الآن «تسلم الأيادي» مليئة بالتلميحات والإيحاءات التي تتغني بالفريق!!