ثياب الإمبراطور

TT

سوف أعيد كتابة قصة قديمة على حضراتكم، أرجو قراءتها وفي بالكم «كليلة ودمنة». قصة يذكرها ربما كثيرون. عام 1974 أعلنت مجموعة من ضباط إثيوبيا الاستيلاء على السلطة مع الولاء للإمبراطور هيلا سيلاسي. كانوا بقيادة الرائد هيلا منغستو مريم ويمثلون 108 قطاعات عسكرية.

بعد قليل بدأ «الضباط الأحرار» باعتقال الوزراء والمسؤولين ثم قتلهم. وفي أقل من عام توفي هيلا سيلاسي نفسه وقيل قتلوه. وبدأ الرائد منغستو في إزاحة الرفاق، واحدا واحدا. وفرض على الجميع جوا من التقشف. ولم يعد أحد يجرؤ على ارتداء الملابس الأنيقة أو وضع ربطات العنق. لا مظاهر بورجوازية إمبريالية إلى آخر تعابير القاموس الثوري.

بدأ منغستو بقتل الخصوم ثم انتقل إلى قتل الرفاق. وفجأة انتقل ذات يوم من مكتبه البسيط إلى مكتب الإمبراطور. ثم راح ينتظر من رفاقه أن يعاملوه كإمبراطور. الذين كانوا بالأمس ينادونه الرفيق منغستو صار عليهم أن يخاطبوه سيادة الرئيس. والأصدقاء الذين اعتادوا التحدث إليه بصيغة المفرد، أنت، صاروا ينادونه بصيغة الجمع، أنتم. والذين كانوا يجلسون إليه صاروا يقفون في حضرته.

كان هيلا منغستو قاسيا في حق معارضيه، لا يرحم. الإمبراطور الأحمر قتل مليونا منهم. وفي ظل سيادته تفككت إثيوبيا وخرجت عنها إريتريا وأوغادين وتيغراي.

يقول أحد وزرائه، داويت غيورغيس، في مذكراته، إن منغستو الذي نعرفه تحول بعد 1978 إلى «رجل فظ شديد القسوة وانتقامي. وأصبح يستخدم أجنحة الإمبراطور وسياراته... كان يفترض أننا أقمنا ثورة من أجل المساواة فإذا به يصبح الإمبراطور الجديد».

عرفت بداية الستينات عددا من الوزراء القادمين حديثا إلى الحكم الثوري. بهرتني بيوتهم المتواضعة. أحببت بساطتهم في التعامل مع أطفالهم. طربت لأحاديثهم عن كرامة الناس. بعضهم لا يزال كما عرفته وبعضهم صار شريكا في ثروات جميع الناس. الذين أقاموا الحرب على الإقطاع في لبنان، قلدوا رجاله حتى في لون أحذيتهم. ما كان عارا إقطاعيا صار فخرا وطنيا ثوريا قوميا.

لم يقلد حكام أفريقيا الثوريون الزعماء الذين انقلبوا عليهم، بل قلدوا رجال الاستعمار على نحو هزلي مثير للسخرية. خلع لوران كابيلا المهرج جوزيف موبوتو في الكونغو ثم تجاوزه في النهب والظلم والاستهتار. كانت القصور الملكية في العراق دون أصابع اليد فأصبحت القصور الرئاسية نحو 50. وفي الجماهيرية العظمى كان مجمع العزيزية يبدد في عام ما صرف أحمد السنوسي طوال حكمه. وقس على هذا.