فتاة من أستراليا في الرياض

TT

طبعا أنت تتوقع أن أحدثك عن عظمة الأداء وقوته في ذلك الصرح الطبي العظيم، مستشفى الملك فيصل التخصصي، لا بد أنك تعرف ذلك أو على الأقل سمعت عنه، سأحدثك عن شيء آخر.. عن شابين سعوديين وشابة أسترالية، الشابان استلماني من الطائرة إلى عربة الإسعاف التي ستقلني إلى المستشفى، طوال الطريق كانا يجريان تحريات سريعة عن حالتي مدعومة ببعض الكشوفات، سألت أحدهما: كم عدد سنوات دراستك؟ وأين كانت؟

فقال: سبعة أعوام. في أميركا.

عدنا إلى الدردشة ولكن الفتى حولها بالفعل للمزيد من التحري عن حالتي، بالتأكيد عندما وصلنا كان مستعدا بتقرير مبدئي عن الحالة ليقدمه لرؤسائه أصحاب المسؤولية الأكبر، ثم فتاة جميلة هي ريبيكا، من أستراليا. آه.. يا خسارة، لن أجد ما أحدثها عنه! مضت الشابة في عملها بسرعة ورقة وثقة عالية.. كشف تقليدي من هذا النوع الذي يقوم به شيوخ الأطباء. هل هي طبيبة؟.. سألتها: كم عدد سنوات دراستك للطب؟

فأجابت باستنكار وكأنني وجهت لها إهانة: التمريض.. ثلاثة أعوام.. هي هكذا في أستراليا.

يا إلهي، في ثلاثة أعوام فقط استطاعت أن تجيد كل ذلك!

في هذه اللحظة تركت المستشفى وريبيكا بل وروث الجميلة القادمة من ولاية فرجينيا. عدت طائرا إلى مصر، في لحظة كنت أناقش مع نفسي مشكلة فتيات المعهد الديني في صعيد مصر اللاتي رفضن رفع العلم المصري في طابور الصباح، ماذا تعلم هؤلاء الفتيات؟ وماذا سيتعلمن؟

ولو أرسلناهن باتفاقية خاصة إلى لندن أو باريس أو ميلبورن، لدراسة التمريض، هل سيكون بمقدورهن القيام بما قامت به ريبيكا من أجلي ومن أجل آلاف المرضى؟ وهل هن سيقبلن العرض أصلا لدراسة مهنة لا تحظى باحترامهن؟

إذا لم تحترم علم بلادك ونشيدها، فأنت لا تحترم شيئا على الإطلاق، وبالتحديد لا تحترم نفسك.. ينقصك عاطفة اعتبار الذات، وهذا هو ما يجعل منك مجرما حاليا اليوم أو غدا.

هناك جملة شهيرة وسخيفة أيضا، هي أن أعظم أنواع الاستثمار هو في تعليم البشر، ولكن هذه القاعدة التي تبدو حكيمة لا تقول لك: ماذا ستعلمهم؟ هل ستعلمهم أن علم بلادهم لا قيمة له؟ إن الدنيا كلها بكل ما تحفل به من قيم عليا، لا أهمية لها.

لقد استطاعت ريبيكا أن تدرس في ثلاثة أعوام فقط هذا الفرع الصعب من فروع الطب، أن تتعلم وأن تجيد ما تعلمته، لسبب بسيط.. لقد كانت جاهزة قبل أن تلتحق بالجامعة، لقد حصلت داخل الأسرة وفي المدرسة الثانوية على كل ما هي في حاجة إليه، كل ما عرفته من قبل كان الأساس المتين الذي انبنت دراستها عليه.

التعليم الصحيح يشعر الطفل بالاحترام لنفسه والزهو بما تعلمه، ونحن بالفعل في حاجة إلى أجيال تحترم أنفسها، وبذلك نضمن ألا يتحولوا إلى قتلة.