اعتداءان: على اللغة وعلى الوقت

TT

لم أشعر بندم الحسرة في حياتي على أي شيء سوى الندم على إضاعة الوقت. لست أذكر أسماء الأسهم التي خسرتها ولا تواريخها، لأن ذلك كان مسؤوليتي وحدي لكنني أشعر بمرارة على ضياع الوقت الذي اعتقدت أنه سوف يعود في اليوم التالي. لم يعد في أي يوم تلا.

معظم المكتبات التي أدخلها، أصحابها أصدقائي، أو معروف لدى موظفيها. لذلك أخجل من تفحص الكتب قبل شرائها. أنتقي، أشتري، وفي أمان الله. قليلة جدا هي المرات التي أشعر فيها أنني خُدعت وأسأت الاختيار بسبب حسن الظن. لكنني أشعر بإهانة عميقة أحيانا بسبب ما أهدرت من وقت.

فجعت هذه المرة. جنابكم تعرفون أنني لا أستخدم أبدا التعابير الدرامية حتى في الحالات المتطلِّبة. لكنني والله فجعت. كتاب يحمل عنوان موضوع يهمني عن كاتب غربي. مؤلفه د. ومحققه د. وليس بغير د. سوى محبِّركم المحب وقارئه المسكين. تطبع الكتب الحديثة بحروف سهلة القراءة، وهذا الكتاب مطبوع بحرف قديم مثل أحرف المحاكم العثمانية. وفي اللغة العربية بداهات كثيرة منها أن الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب وحرف الجر يكسر ما يتبعه. وفي هذا الكتاب، من البداية إلى النهاية الفاعل منصوب وحرف الجر يرفع والمفعول به، مرة بالجر ومرة بالرفع وغير منصوب إلى أبد الآبدين.

د. المؤلف ود. المدقق لم يخطر لهما مرة واحدة أن الفقرة تبدأ من البداية لا من النصف. ود. المدقق لم يلحظ أن بعض الجمل عند د. المؤلف تتكرر عدة مرات، ثم تتكرر من جديد. وإذا كنت قد نسيت فمرة أخرى لا أخيرة.

أقنعت نفسي أن ثمة ضعضعة غير مقصودة في الصفحات الأولى، وأن الفاعل سوف يعود إلى ضمته بعد حين، وأن فعل «كان» لن يلبث أن يذكر كاتبنا، ومدققه، بأنه فعل ماض يتفجر إذا ما رميته على الحاضر. عبث. كان فعل مضارع، من د. الأول إلى د. الثاني.

كنت أتمنى أن أورد بعض الأمثلة ولن أفعل لسببين: الأول، على الرغم من ثقتكم بي، سوف تعتقدون أنني أخترع أو أهلوس. والثاني خوفا من أن يتعرَّف أحد إلى صاحب هذه التحفة الأدبية، أو إلى التحفة نفسها.

كل ما فعله بنا المؤلف هو عن حسن نية وسوء لغة. كلاهما واضح. وكان في إمكانه أن يحمل مؤلَّفه إلى دار نشر فيها مصححو لغة. أو صفافون جيدون. في أيامنا كان الصفاف يصحح لنا الأخطاء قبل وصولها إلى المصحح. في.. حرف جر.